
في ظاهرها تبدو الديمقراطية الغربية تجسيدًا للحريات، وملاذًا لصوت المواطن، ومنارة للعدالة والشفافية. لكن خلف هذا القناع الليبرالي، تتكشف مفارقة مزعجة تختصرها عبارة تلخص الكثير من النقد: "قل ما تشاء، ونحن نفعل ما نشاء". فهل تحوّلت الديمقراطية إلى غطاء ناعم لحكم النخب؟ وهل ما يُقال مسموح به فقط لأنه لا يُغير شيئًا في الواقع؟
حرية التعبير: تنفيس لا تغيير
حرية التعبير، أبرز شعارات الديمقراطية الغربية، تُمارس ضمن أطر تُشعر الفرد بأنه فاعل، بينما يكون تأثيره في كثير من الأحيان محدودًا أو معدومًا. يُمنح المواطن مساحة للكلام، للاحتجاج، للرفض... لكن السياسات الفعلية لا تتغير استجابةً لتلك الأصوات، بل تُستمر وكأن شيئًا لم يكن. إنها حرية مسموح بها طالما لا تهدد البنية العميقة للنظام.
حكم النخبة عبر الديمقراطية التمثيلية
في معظم الديمقراطيات الغربية، تُختزل السلطة الشعبية في انتخابات دورية تنتج نخبة سياسية متقاربة في الخلفيات والمصالح. تتغير الوجوه والخطابات، لكن السياسات الاستراتيجية – من دعم الرأسمالية المتوحشة، إلى التدخلات الخارجية، إلى الولاء للمؤسسات المالية – تبقى كما هي. المواطن يختار، لكن ضمن حدود اختيارات مصممة بعناية.
الإعلام: السلطة الرابعة تحت السيطرة
رغم وجود صحافة حرة شكليًا، فإن وسائل الإعلام الكبرى كثيرًا ما تخدم مصالح محددة، سواء عبر التمويل، أو الولاء الإيديولوجي، أو التبعية للشركات الكبرى. تُسكت أصوات، وتُبرز أخرى، وتُخلق سرديات يصعب على المواطن العادي أن يشكك فيها، ما يجعل من الإعلام وسيلة لصناعة القبول بدلًا من مساءلة السلطة.
الديمقراطية كمُنتج للتصدير الانتقائي
في السياسة الخارجية، تُستخدم الديمقراطية كمبرر للتدخل حين يتوافق ذلك مع المصالح الغربية، بينما يتم تجاهلها أو محاربتها حين تُنتج نتائج لا ترضي تلك المصالح. هكذا تُدعم أنظمة استبدادية، وتُحاصر حكومات منتخبة، ويُعاد تشكيل بلدان كاملة باسم الديمقراطية، ولكن لتحقيق أهداف جيوسياسية لا علاقة لها بإرادة الشعوب.
المواطنة غير المتساوية
داخل المجتمعات الغربية نفسها، لا تُوزّع الحقوق بشكل عادل. فالأقليات العرقية، والفقراء، والمهاجرون، يواجهون أنظمة عدالة غير متوازنة، وتهميشًا بنيويًا، وعقبات اقتصادية واجتماعية لا تجد لها حلولًا رغم تداولها في الخطابات الانتخابية. الديمقراطية هنا لا تلغي التفاوتات، بل تُجمّلها.
الشكل لا يضمن الجوهر
لا يمكن إنكار أن الديمقراطية الغربية توفر هامشًا من الحرية والحقوق لا يتوفر في كثير من أنظمة العالم، لكنها – في صورتها الحالية – أصبحت أقرب إلى هيكل فارغ من الروح: تسمح لك أن تقول، أن تصرخ، أن تُنتقد، لكنها لا تُلزم نفسها بأن تسمع أو تستجيب. وهكذا تتحول العبارة الساخرة إلى حقيقة مرة: "قل ما تشاء، فنحن سنفعل ما نشاء."
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
