فروق: تيران وصنافير: تنازل مصري لحماية الملاحة الإسرائيلية... تحت غطاء السيادة السعودية

Monday, May 12, 2025

تيران وصنافير: تنازل مصري لحماية الملاحة الإسرائيلية... تحت غطاء السيادة السعودية

تيران وصنافير: لماذا تنازلت مصر لحماية الملاحة الإسرائيلية؟ القصة الكاملة خلف نقل السيادة إلى السعودية

في منطق الدول، لا تُفرّط الحكومات في شبرٍ من أراضيها، لا سرًا ولا علنًا، إلا إذا واجهت ضغوطًا استراتيجية أو رغبت في تحقيق مكاسب كبرى على مستويات أعمق من السيادة الظاهرة. هكذا كان حال القرار المصري بنقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، وهو القرار الذي أثار موجة من الجدل والغضب الشعبي، لأنه خالف عقودًا من الخطاب الرسمي الذي اعتبر الأرض خطًا أحمر.. لكن السؤال الحقيقي ليس في الوثائق التاريخية ولا في الإجراءات القانونية، بل في الدافع الجوهري خلف هذا التنازل:

أمن الملاحة الإسرائيلية في مضيق تيران، بعد تحوّل الممر إلى ممر دولي، هو السبب الأساس الذي لا يُقال صراحة، لكنه يفسّر كل شيء.

لماذا تيران وصنافير مهمتان؟

1. الموقع الاستراتيجي

تقع الجزيرتان عند مدخل مضيق تيران، الذي يُعد الشريان البحري الوحيد لميناء "إيلات" الإسرائيلي، ومن خلاله تمر التجارة والسفن الحربية الإسرائيلية نحو البحر الأحمر والمحيطات.

2. الذاكرة العسكرية

إغلاق المضيق من قبل مصر عام 1967 كان أحد الأسباب المباشرة لاندلاع حرب يونيو، وهو ما يجعل حرية الملاحة فيه قضية أمن قومي لإسرائيل لا تقبل المساومة.

الرواية الرسمية المصرية... والواقع الأعمق

قالت الحكومة المصرية إن الجزيرتين "سعوديتان بالأصل"، وإن مصر تولت إدارتهما مؤقتًا منذ خمسينيات القرن الماضي بطلب من الرياض، لحمايتهما من الاحتلال الإسرائيلي. وبموجب اتفاق ترسيم الحدود عام 2016، تم "إعادة" الجزيرتين للسعودية، وفقًا لمستندات ودراسات قانونية.

لكن الواقع أن هذا التنازل لم يكن قانونيًا بقدر ما كان استجابة لحسابات سياسية واستراتيجية معقّدة، تتجاوز العلاقة مع السعودية نحو ترتيبات إقليمية أوسع تشمل إسرائيل والولايات المتحدة.

التنازل من أجل ضمان دائم للملاحة الإسرائيلية

1. تحويل الممر إلى ممر دولي دائم

بعد نقل السيادة، لم تعد مصر قادرة حتى نظريًا على إغلاق المضيق، لأنها لم تعد تملك الجزيرتين. كما أن السعودية، التي ليست في حالة صراع مع إسرائيل، لن تُقدم على إغلاق المضيق تحت أي ظرف، ما يجعل حق العبور الإسرائيلي في المضيق محميًا بالكامل، وبصيغة دائمة لا ترتبط بتغيّرات السياسة المصرية.

2. إزالة ورقة الضغط التاريخية

طالما بقيت الجزيرتان تحت السيادة المصرية، فإن المضيق ظل ــ نظريًا على الأقل ــ خاضعًا لقرار مصري سيادي، يمكن استخدامه في أي لحظة كأداة ضغط في مواجهة إسرائيل، حتى وإن لم يُستخدم فعليًا منذ عقود. نقل السيادة أنهى هذه المعادلة كليًا.

3. اتفاق غير معلن برعاية أمريكية

رغم أن إسرائيل ليست طرفًا مباشرًا في الاتفاق، فإن موافقتها عليه كانت مشروطة بالحفاظ على حرية ملاحتها، وهو ما تأمّن لها فعليًا. وبهذا، فإن مصر قدمت ضمانًا غير مباشر لأمن إسرائيل البحري، لكنها فعلت ذلك عبر طرف ثالث (السعودية)، كي لا تتحمل التبعات السياسية داخليًا.

لماذا قبلت مصر؟

1. أزمة اقتصادية خانقة

كانت مصر، في مرحلة ما بعد 2013، بحاجة ماسة إلى دعم مالي خليجي واسع، والسعودية كانت اللاعب الأهم. تقديم هذا التنازل فُهم ضمنيًا كجزء من "صفقة كبرى" لتأمين الدعم مقابل موقف استراتيجي.

2. مكسب سياسي تكتيكي

بنقل السيادة، أخرجت مصر نفسها من مسؤولية مباشرة عن المضيق، وهو ما يتيح لها، مستقبلًا، التهرب من أي ضغوط شعبية أو إقليمية متعلقة بإسرائيل، وإلقاء الكرة في ملعب الرياض.

3. توزيع المسؤوليات الأمنية

الاتفاق سمح باستمرار التنسيق الأمني المصري في المنطقة، خصوصًا مع الترتيبات الخاصة بحفظ السلام في سيناء، ولكن دون عبء سياسي للسيادة الكاملة.

خلاصة القول

نقل السيادة على تيران وصنافير لم يكن مجرد إجراء إداري أو تصحيحًا تاريخيًا، بل خطوة استراتيجية عميقة تستند إلى حسابات أمنية وإقليمية تتداخل فيها مصالح مصر والسعودية وإسرائيل، تحت أنظار الولايات المتحدة. وهو ما يجعل هذه القضية نموذجًا معبرًا عن السياسات الواقعية التي تُمارس خلف الأبواب المغلقة، بعيدًا عن الشعارات والسيادة التقليدية.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .