
في المقابل، تُضخَّم أفعال طالبان في تعاملها مع المرأة، رغم أن كثيرًا من تلك السياسات تعكس منظومة عقائدية واجتماعية متجذّرة في ثقافة محلية. فالحجاب، والفصل بين الجنسين، والتعليم ضمن ضوابط دينية، يُقدَّم كرمز للقمع، لا باعتباره خيارًا ثقافيًا ودينيًا لمجتمع له رؤيته المختلفة لمفاهيم الكرامة والاحتشام.
لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه المعايير لا تُطبّق على حلفاء الغرب. فالهند، التي تُقدَّم كنموذج حضاري، تعاني فيها المرأة من أوضاع مأساوية لا تقل خطورة. من الاغتصاب الجماعي المنتظم، إلى قتل الزوجات بسبب المهور، إلى القمع الطائفي ضد النساء المسلمات والداليت، إلى العنف الأسري والزواج القسري، دون أن تثير هذه الانتهاكات صخبًا في الإعلام الغربي، أو تُستخدم لتبرير العقوبات أو العزل الدولي.
وحتى في قلب الغرب ذاته، لا تسلم المرأة من الاستغلال، وإن كان مغلفًا بشعارات "التحرر" و"التمكين". فالمرأة تُستغل جسديًا في الدعاية والإعلام، وتُختزل في كثير من الأحيان إلى سلعة بصرية تُستخدم لبيع المنتجات وزيادة نسب المشاهدة. تُساق إلى ثقافة جنسية تجارية تمتص أنوثتها وتُفرغها من المعنى الإنساني، وتُقدَّم "حرية الجسد" كمرادف للتشييء، لا كخيار أخلاقي حر. أما في سوق العمل، فالفجوة في الأجور والتمييز لا يزالان قائمين رغم كل الشعارات، وتُفرض عليها ضغوط هائلة لتتشبه بالرجل وتُقصى عن أدوارها الطبيعية باسم المساواة. باختصار، تُستغل المرأة في الغرب باسم "الحرية"، كما تُستغل في الشرق باسم "السلطة" أو "التقاليد"، ولا يكاد أحد يُنصفها خارج الدائرة الدعائية.
الحقيقة أن الغرب لا يدافع عن المرأة بقدر ما يستغلها حين تتناسب مع أهدافه السياسية. الحضارة لا تُقاس بنزع الحجاب، ولا الحرية تعني تسليع الجسد باسم الحداثة، ولا التقدم يشترط محو الخصوصية الثقافية والدينية. فرض النموذج الغربي كشرط للتحضّر هو قناع لاستعمار جديد، ناعمٍ في لغته، خشنٍ في نتائجه.
إن المرأة المسلمة، سواء في أفغانستان أو الهند أو الغرب نفسه، تحتاج إلى عدالة حقيقية، لا إلى شعارات تُستخدم حينًا وتُنسى حينًا، بحسب خارطة المصالح لا خارطة القيم.
حين تُخطف العدالة باسم القيم
في عالمٍ باتت فيه الشعارات تسبق الوقائع، والمبادئ تُفصّل على مقاس المصالح، تبدو المرأة — مرة أخرى — ضحية رئيسية في لعبة النفوذ والتلاعب بالسرديات. ما يُفترض أن يكون نضالًا إنسانيًا من أجل كرامة المرأة، يتحول إلى أداة هيمنة ثقافية ومبرر للتدخل ومسوّغ للوصاية. إن أخطر ما يواجه المرأة اليوم ليس فقط القمع المباشر، بل خطف قضيتها وتحويلها إلى غطاء ناعم لسياسات خبيثة، تُمارس باسم "التحرير"، وتخترق المجتمعات باسم "الحداثة".
وفي ظل عالم تتسارع فيه الأزمات، من غزة إلى كشمير، ومن أفغانستان إلى باريس، بات واضحًا أن الحديث عن المرأة لا ينفصل عن معادلة الظلم والهيمنة العالمية. فالعدالة لا يمكن أن تكون حكرًا على من يتبنى النموذج الغربي، ولا التحرر يُقاس بدرجة خلع القيم أو الالتصاق بها.
إذا كان العالم صادقًا في دفاعه عن المرأة، فعليه أولًا أن يعترف بأن هناك أكثر من طريقة للكرامة، وأكثر من رؤية للتحرر، وأكثر من حضارة واحدة تستحق الاحترام.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
