
الإجابة لا تكمن في فقر الأرض، بل في تعقيد النفس البشرية وتشابك مصالح المجتمعات.
الإجابة لا تكمن في فقر الأرض، بل في تعقيد النفس البشرية وتشابك مصالح المجتمعات.
لم يكن الاستعمار مجرد جنود وأعلام ترفرف فوق العواصم، بل كان مشروعًا متكاملًا لهدم الأسس الاقتصادية للشعوب، وتحويلها إلى أسواق استهلاكية ومصدر للمواد الخام. من قطن مصر إلى بن اليمن، ومن نسيج الهند إلى ذهب السودان ومطاط الكونغو، كانت مقدرات الأمم تُنتزع بحرفية قسرية، لا لشيء سوى لتغذية مصانع الغرب وضمان استمرار تبعيته.
لم يكن الاحتلال الغربي للشعوب مجرد هيمنة على الأرض والثروات، بل امتدّ ليشمل الهيمنة على الأجساد نفسها. ففي كل حرب كبرى خاضتها الإمبراطوريات الأوروبية، لجأت إلى تجنيد أبناء مستعمراتها قسرًا، لتدفع بهم إلى ساحات قتال لا ناقة لهم فيها ولا جمل. تحت شعارات زائفة عن "الولاء للإمبراطورية" و"الدفاع عن الحضارة"، زُجّ بملايين الهنود، والأفارقة، والعرب في معارك خارج حدود بلادهم، يخوضون حروبًا صاغ قراراتها سياسيون لم يعرفوهم، ويقاتلون أعداء لا يعرفون عنهم شيئًا. لقد كانت هذه الجيوش المستعمَرة مجرد وسيلة لتعويض العجز العددي الذي عانته أوروبا، وتكريس هيمنتها العالمية بأقل تكلفة بشرية من أبنائها.
في زمنٍ تتفجر فيه الجبهات العسكرية، تتفتح جبهة موازية لا تقل ضراوة: جبهة السرد. فمن يملك الكاميرا يملك القدرة على صياغة العالم كما يريد، ومن يُحسن بناء الحكاية يُحسن توجيه الرأي، أو تشويهه.. الحرب الأخيرة على غزة كشفت عمق هذا الصراع. لم يكن القصف وحده هو ما يتردد صداه في الذاكرة الجمعية، بل كانت الصور، والعبارات، والمشاهد، والأصوات التي تنافست لتفسير الواقع، أو التلاعب به. الدراما، الإعلام، ومنصات التواصل، تحولت جميعها إلى أدوات تشارك في صياغة وعيٍ جماعيٍّ يتأرجح بين التنوير والتضليل.
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات عميقة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023. ومع تصاعد المواجهات واتساع رقعة الصراع، لم تعد التداعيات محصورة بالقطاع، بل امتدت إلى خرائط السياسة والتحالفات الإقليمية والدولية. في هذا المقال، نرصد كيف تعيد الحرب في غزة رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد، ونحلل أثرها على موازين القوى، وأدوار الفاعلين، ومستقبل الصراع في المنطقة.
حين تتمكن قوة ما، تبدأ ملامح الطغيان في الظهور، مغطّاة بالشعارات ومبرّرة بالمخاوف. ومع بروز طاغية جديد في الأفق، يُستدعى شبح التهديد لتخفيف قباحة الواقع القائم. يُعاد تدوير فزّاعة فرعون: "إنه يفسد دينكم"، لإقناع الناس بأن القادم أخطر، وأن المستبد الذي يعرفونه أهون الشرّين. وهكذا يُستخدم الخوف من المجهول غطاءً لطغيان معلوم. لكن الطغيان لا يُقارن ليُقبل، بل يُدان من حيث هو.