
فهل نحن أمام مشروع استراتيجي لإعادة تشكيل الحدود غير المعلنة لما بعد الاتحاد السوفييتي؟ وهل تمتلك تركيا ما يكفي من القوة الناعمة والصلبة لتحقيق ذلك؟
في العالم القديم للإعلام، كانت الكاميرا الغربية تسبق الحقيقة، والسردية تُبنى في غرف الأخبار لا في ميادين الواقع. كان بإمكان الدول الغربية أن تُعرّف الخير والشر، وتعيد رسم حدود الإنسانية وفق مصالحها. لكن شيئًا تغيّر. لم تعد الصورة حكرًا على المحطات الكبرى، ولم يعد الصوت يُنقل عبر وسيط واحد. نحن نعيش اليوم زمن الصورة المباشرة، زمن العيون المفتوحة في كل زاوية، والعدسات التي لا تعرف المجاملة. ومع هذا التحوّل، بدأ الغرب يخسر سلاحه الأخطر: احتكار السردية الأخلاقية.
في مشهد سياسي يتّسم بالضبابية والتوترات القومية، أقدم حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) في تركيا على خطوة مفاجئة تمثّلت في حلّ نفسه طوعًا، بعد سنوات من الضغوط القضائية والتضييقات الأمنية. هذا القرار، الذي جاء في خضم محاكمات صارمة بحق قياداته، أثار تساؤلات حول دوافعه الفعلية: هل هو نتيجة ضعف سياسي وانكسار؟ أم مناورة استراتيجية لتفادي سيناريو أسوأ؟ بين الظاهر السياسي والتكتيك الخفي، يبرز هذا الحدث كمحطة مفصلية في مسيرة الحراك الكردي في تركيا.