
1. ملامح التراجع الأميركي: من العراق إلى غزة
لم يعد النفوذ الأميركي كما كان في العراق بعد 2003، ولا في سوريا بعد 2011، حتى علاقاته التقليدية مع حلفائه في الخليج وإسرائيل تشهد توترات غير مسبوقة. أزمات كأفغانستان، وحرب أوكرانيا، والتحولات في بحر الصين الجنوبي، كلها دفعت واشنطن إلى إعادة النظر في التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط. الحرب الأخيرة في غزة أبرزت هذا التراجع بوضوح، إذ اكتفت الولايات المتحدة بالضغط السياسي المحدود، دون فرض حلول أو تغيير قواعد اللعبة.
2. الصين وروسيا وإيران: ملء الفراغ أم صناعة واقع جديد؟
غياب الولايات المتحدة الجزئي فتح الباب أمام قوى أخرى:
- الصين: تتقدم بهدوء من خلال الاقتصاد والدبلوماسية، خاصة في المصالحة السعودية-الإيرانية.
- روسيا: رغم انشغالها بأوكرانيا، لا تزال تحتفظ بثقل في سوريا وتنسّق مع إيران.
- إيران: استفادت من التردد الأميركي لتوسيع نفوذها في العراق وسوريا ولبنان، وتوطيد حضورها في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
3. الدور التركي الصاعد: توازن بين الغرب والشرق
تركيا، العضو في الناتو، انتهزت لحظة التراجع الأميركي لتعزز نفوذها إقليميًا، مستثمرة قوتها العسكرية والاقتصادية، ومن خلال مواقف خطابية داعمة لغزة، استطاعت أن تعيد تموضعها كفاعل رئيسي، خصوصًا في الساحة الإسلامية.
4. استراتيجيات "إعادة التموضع": هل الولايات المتحدة تنسحب حقًا؟
هناك من يرى أن واشنطن لا تنسحب بقدر ما تُعيد تموضعها:
- تحوّل من التورط المباشر إلى الحضور غير المرئي (عبر الحلفاء، والدرونز، والعقوبات الاقتصادية).
- تركيز على شرق آسيا وأوروبا باعتبارها مناطق أكثر حيوية في التنافس العالمي.
- استخدام إسرائيل كوكيل أمني إقليمي، رغم تزايد كلفته السياسية والأخلاقية.
5. تبعات التراجع: صراعات أكثر أم فرص جديدة؟
تراجع واشنطن يفتح احتمالات مزدوجة:
- فراغ استراتيجي يؤدي إلى مزيد من التوترات، خاصة مع تضارب مصالح القوى البديلة.
- فرصة لبناء نظام إقليمي جديد إذا أحسنت الدول العربية لعب أوراقها، بالتحالفات المتنوعة، وتقوية استقلال القرار.
خاتمة: الشرق الأوسط بلا واشنطن كما نعرفها؟
ما يجري ليس انسحابًا كاملاً، بل تحوّل في شكل الحضور الأميركي. لكنه يكشف أيضًا هشاشة اعتماد المنطقة على قوة خارجية لحل أزماتها. في ظل هذه التحولات، تبدو الحاجة ملحّة لبناء توازنات إقليمية حقيقية، قائمة على التعاون، وليس الارتهان لمحاور متغيرة.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
