فروق: الدراما والإعلام في زمن الحرب: من يروي القصة، ومن يُشكّل الوعي؟

Monday, May 12, 2025

الدراما والإعلام في زمن الحرب: من يروي القصة، ومن يُشكّل الوعي؟

في زمنٍ تتفجر فيه الجبهات العسكرية، تتفتح جبهة موازية لا تقل ضراوة: جبهة السرد. فمن يملك الكاميرا يملك القدرة على صياغة العالم كما يريد، ومن يُحسن بناء الحكاية يُحسن توجيه الرأي، أو تشويهه.. الحرب الأخيرة على غزة كشفت عمق هذا الصراع. لم يكن القصف وحده هو ما يتردد صداه في الذاكرة الجمعية، بل كانت الصور، والعبارات، والمشاهد، والأصوات التي تنافست لتفسير الواقع، أو التلاعب به. الدراما، الإعلام، ومنصات التواصل، تحولت جميعها إلى أدوات تشارك في صياغة وعيٍ جماعيٍّ يتأرجح بين التنوير والتضليل.


صراع السرديات: من الضحية ومن الجلاد؟

في لحظة الحرب، تفقد "الحيادية" معناها عندما تُساوي بين المعتدي والمعتدى عليه. ومع ذلك، ظهر هذا الخطاب في كثير من الإنتاجات الدرامية والبرامج الحوارية العربية، التي حاولت تمرير التطبيع تحت غطاء التسامح، أو تجاهلت الحدث أصلًا، في مشهدٍ يعكس عمق الاستلاب الثقافي أمام خطاب القوة.

في المقابل، برزت موجة شعبية من المحتوى المقاوم، صُنعت بأدوات بسيطة، لكنها وصلت إلى ملايين العقول. مقاطع مصورة من تحت الركام، أغانٍ تنبض بالكرامة، ومونتاجات تُعيد الاعتبار إلى الحق الفلسطيني بلغة الجيل الجديد. لم يكن هذا مجرد تعاطف، بل استعادة لزمام السرد من قبضة المؤسسات الرسمية.


الدراما كأداة سلطة.. أو مقاومة

لطالما كانت الدراما العربية ساحة لتصفية الحسابات الثقافية. في زمن الحرب، إما أن تكون أداة لتكريس الخطاب الرسمي، أو منصة للتشويش عليه. بعضها قدّم خطابًا ناعمًا يروّج للـ"إنسانية المشتركة" مع المحتل، بينما اختارت أعمال أخرى الغياب، وكأن ما يحدث في غزة شأن عابر لا يستحق مساحة من الشاشة.

هذا التغييب المتعمد لا يعكس فقط موقفًا سياسيًا، بل هو قرار ثقافي يُعاد فيه تشكيل الذوق العام وفقًا لما يُريده الممول أو المُنتج، لا ما يفرضه الواقع أو الأخلاق.


من يملك التأثير؟ السلطة أم الشارع؟

سؤال يُطرح بقوة: هل لا تزال القنوات الكبرى تتحكم في الوعي العام؟ الواقع يُشير إلى تحوّل عميق. المنصات البديلة، من تيك توك إلى إنستغرام، باتت تصوغ خطابًا جديدًا، غير مؤطر، وغير مرتهن. شباب من مخيمات اللجوء ومدن الشتات يقفون اليوم منافسين لأعتى المؤسسات الإعلامية، لأن ما يقدّمونه ليس منتجًا بصريًا فقط، بل موقفًا أخلاقيًا ينفذ مباشرة إلى وجدان الناس.

ومع ذلك، يبقى الخطر حاضرًا: فكما يمكن أن تُستخدم هذه الوسائل لفضح الجرائم، يمكن أيضًا أن تُسخّر لتزييف الوعي، عبر روايات مُمنتجة، وخطابات زائفة مغلفة بالحداثة والحرية.


معركة الوعي: السرد بوصفه سلاحًا

الحرب اليوم لم تعد فقط على الأرض. إنها أيضًا على الذاكرة. من ينجح في ترسيخ روايته، يربح المستقبل، حتى لو خسر المعركة مؤقتًا. ولذلك، لم يكن مستغربًا أن يُمنع صحفيون من التغطية، أو يُفصلوا من مؤسساتهم بسبب تعاطفهم الإنساني مع غزة. فالصوت الحرّ يُقلق السلطة أكثر مما تفعل صواريخ المقاومة.

في زمن الحرب، تتحول الكلمات إلى رصاص، والصور إلى حجارة، والحكايات إلى معارك حاسمة. ومن يروي، إنما يصوغ وعينا بما كان، وبما يجب أن يكون.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .