فروق: الوحدة 731 والجرائم البيولوجية للجيش الياباني: مراجعة تاريخية وتحليل سياسي

Friday, May 9, 2025

الوحدة 731 والجرائم البيولوجية للجيش الياباني: مراجعة تاريخية وتحليل سياسي


خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937–1945) والحرب العالمية الثانية، نفّذ الجيش الإمبراطوري الياباني عددًا من التجارب البيولوجية والطبية على البشر من خلال "الوحدة 731"، التي كانت تتبع رسميًا قسم الوقاية البيولوجية في الجيش الياباني. 
ورغم أهمية هذا الملف في سياق دراسة جرائم الحرب، فإنه لم يلق الاهتمام الكافي بعد الحرب، سواء في المحاكمات الدولية أو في الذاكرة الرسمية اليابانية. 

تكوين الوحدة 731 وطبيعة أنشطتها

تأسست الوحدة 731 في منشوريا المحتلة، وكان على رأسها اللواء الطبي شيرو إيشي. نفّذت الوحدة برامج تجريبية على البشر لأغراض البحث في الأسلحة البيولوجية والكيميائية، من بينها نشر أوبئة كالطاعون، وإجراء تجارب تجميد وتشريح حي. البيانات المتوفرة تشير إلى أن الضحايا كانوا من الصينيين والكوريين وأسرى الحرب السوفييت وبعض الجنسيات الأخرى. لم يُستخدم مواطنون يابانيون في هذه التجارب.

الوضع بعد الحرب: المحاسبة والعدالة

عقب نهاية الحرب، لم تُدرج الوحدة 731 ضمن المحاكمات الأساسية لمجرمي الحرب في طوكيو. حصل عدد من قادتها، بمن فيهم إيشي، على حصانة من المحاكمة مقابل تسليم نتائج تجاربهم إلى الولايات المتحدة، وهو ما أُنجز ضمن اتفاق غير معلن، يعكس أولوية المصالح الاستراتيجية والعلمية الأميركية على حساب العدالة الجنائية الدولية.

بالمقابل، أجرت الاتحاد السوفيتي محاكمات مستقلة في خاباروفسك عام 1949 لعدد من أفراد الوحدة، وتم توثيق الجرائم هناك بشكل جزئي. لكن هذه المحاكمات لم تُتابَع دوليًا بنفس الاهتمام الذي لقيته محاكمات نورمبرغ أو طوكيو، وظلت محصورة في السياق السوفيتي.

الموقف الياباني الرسمي والشعبي

السياسة الرسمية اليابانية بعد الحرب تجنّبت الاعتراف التفصيلي بجرائم الوحدة 731. التعليم العام الياباني لم يُدرج هذه الحوادث بشكل منهجي، وهناك مقاومة من التيارات القومية لأي مراجعة تاريخية تعتبر الجيش الياباني طرفًا معتديًا. في المقابل، ظهرت داخل اليابان أصوات ناقدة تطالب بالاعتراف، لكنها بقيت محدودة التأثير في السياسة العامة.

المقارنة الأخلاقية مع القنبلة الذرية

طرحت بعض التيارات الفكرية في اليابان مقارنة بين ما قامت به الوحدة 731 وما تعرضت له اليابان من دمار نووي في هيروشيما وناغازاكي. هذه المقارنة تُطرح ضمن محاولة لإعادة صياغة الذاكرة التاريخية على نحو متوازن. إلا أن هذه الرؤية لم تتحول إلى خطاب وطني شامل، وظلت محصورة في كتابات مثقفين مستقلين، وغالبًا ما تُواجه برفض من الاتجاهات المحافظة التي تركّز على تصوير اليابان كضحية حصرية للحرب.

المواقف الدولية ومطالبات الاعتراف

أثارت الصين وكوريا الجنوبية ملف الوحدة 731 مرارًا في المحافل الدولية، مطالبتين اليابان بالاعتراف الرسمي والاعتذار والتعويض. الصين خصّصت متحفًا في هاربين لتوثيق الجرائم، وتُدرّس الحادثة ضمن مناهجها التعليمية.

روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي، لم تواصل الضغط السياسي في هذا الملف، رغم أنها تمتلك وثائق وتقارير تفصيلية من محاكمة خاباروفسك. أما الولايات المتحدة، فرغم امتلاكها بيانات واسعة من الوحدة 731، فقد اتخذت موقفًا رسميًا محايدًا، ولم تدعم مطالبات الاعتذار أو المحاسبة، في ظل طبيعة الصفقة التي عقدت بعد الحرب.

دور المنظمات المدنية والمؤسسات البحثية

لم تحظَ جرائم الوحدة 731 باهتمام بارز من المنظمات الحقوقية الكبرى، نظرًا لوقوعها قبل نشأة تلك المنظمات، إلا أن بعض الجهات الأكاديمية والمبادرات المستقلة في الصين وكوريا واليابان والولايات المتحدة عملت على توثيق ما جرى. وقد نُشرت دراسات أكاديمية ووثائق مهمة ساعدت على بناء أرشيف معرفي حول القضية.

على المستوى القانوني، رُفعت قضايا مدنية من قبل ضحايا أو ذويهم في المحاكم اليابانية، لكن معظمها رُفض على أساس أن اتفاقيات ما بعد الحرب (مثل اتفاقية سان فرانسيسكو 1951) أنهت الحقوق القانونية الفردية للتعويض ضد اليابان.

خاتمة

تُعد قضية الوحدة 731 من أبرز الأمثلة على التوتر بين مقتضيات العدالة التاريخية ومصالح ما بعد الحرب. فبينما جرت محاسبة واسعة للنازية في أوروبا، لم تُحاسب جهات آسيوية ارتكبت جرائم موثقة بنفس المستوى. وتظل هذه القضية أحد الملفات العالقة في علاقات اليابان الإقليمية، خصوصًا مع الصين وكوريا، وكذلك في النقاش الأخلاقي حول مصداقية النظام الدولي في معاقبة مجرمي الحرب.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .