فروق: تهجير يهود اليمن: تفريغ مقصود وملء مدروس بصهاينة العرب

Friday, May 9, 2025

تهجير يهود اليمن: تفريغ مقصود وملء مدروس بصهاينة العرب

لأكثر من ألف عام، عاش اليهود في اليمن كجزء من نسيجه الاجتماعي، يشاركون في تفاصيل الحياة اليومية، ويحتفظون بعقيدتهم في وئام هشّ. لكن في منتصف القرن العشرين، بدأت قصة غريبة ومؤلمة: تهجير جماعي بدا طوعيًا، لكنه كان محمّلًا بالخداع والوعود الكاذبة. من "بساط الريح" إلى معسكرات العزل في إسرائيل، ومن فقدان الأطفال إلى فقدان الهوية، تكشف التفاصيل عن مخطط يتجاوز التهجير العادي. فما الذي حدث حقًا؟ ومن سدّ الفراغ بعد رحيلهم؟

من تهجير يهود اليمن إلى صعود "صهاينة العرب": غيابٌ مقصود وبديلٌ أخطر

يهود اليمن: الوجود الممتد

عرفت اليمن منذ قرون جاليات يهودية أصيلة، تشكلت واندمجت ضمن البيئة المحلية، مع احتفاظها بخصوصيتها الدينية والاجتماعية. وقد تميز يهود اليمن بحرفهم الدقيقة كالصياغة والنجارة والخياطة، وكانوا جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد المحلي، خصوصًا في مناطق مثل ريدة وصعدة وعدن. ورغم التفاوت في المعاملة الاجتماعية والسياسية من فترة لأخرى، فإنهم عاشوا في توازن هش إلى حد كبير، حتى بدأت التحولات السياسية العالمية بُعيد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948.

التهجير المنظّم: من اليمن إلى إسرائيل

في الفترة بين 1949 و1950، أطلقت إسرائيل عملية تهجير كبرى عُرفت باسم "بساط الريح" (عملية السجادة السحرية)، تم فيها نقل ما يقارب 50 ألف يهودي يمني إلى إسرائيل. عُرض الأمر وقتها وكأنه "خلاص روحي"، لكن الحقيقة أن هذه العملية جرت في ظروف غير إنسانية، حيث نُقل المهجرون من مناطق نائية في اليمن إلى معسكرات مؤقتة في عدن، وعاشوا هناك في ظروف قاسية، عانوا فيها من الجوع والمرض وانعدام الرعاية، في انتظار الطائرات التي ستقلّهم إلى "أرض الميعاد".

صدمة الوصول: واقع مختلف عن الوعود

في إسرائيل، اصطدمت الجاليات اليمنية بحقيقة مُرّة. بدلاً من الاندماج في دولة حديثة ترحب بهم، وُضعوا في مخيمات لجوء بدائية، وتعرضوا لتمييز عنصري صارخ من قبل النخبة الأشكنازية الأوروبية. لم تكن المشكلة فقط في الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، بل تعدت ذلك إلى اختطاف أطفالهم، في ما يُعرف اليوم بفضيحة "أطفال اليمن"، حيث اختفى مئات الأطفال، وأُبلغت أسرهم بأنهم "ماتوا"، بينما تشير دلائل إلى تبنيهم من قبل عائلات يهودية غربية دون علم أهاليهم. هذه الجريمة تركت جرحًا مفتوحًا لا يزال يؤلم العديد من العائلات حتى اليوم.

هل كانت العودة ممكنة؟

مع تدهور أوضاعهم في إسرائيل، بدأ بعض يهود اليمن يفكرون بالعودة، لا بدافع الحنين فحسب، بل أيضًا لأن "أرض الميعاد" لم تكن كما وُعدوا بها. لكن العودة كانت شبه مستحيلة؛ فالسلطات الإسرائيلية حرصت على منعها بكل الوسائل، بينما كانت اليمن تمر بتحولات سياسية وأمنية جعلت من العودة حلمًا معقدًا ومكلفًا وربما محفوفًا بالمخاطر.

الخروج الأخير: الطواعية الخادعة لمن تبقى من يهود الجزيرة

لم يتوقف الأمر عند تهجير يهود اليمن فحسب، بل امتد إلى ما تبقى من الجيوب اليهودية في شبه الجزيرة العربية، خاصة في نجران وخيبر ومناطق متفرقة في السعودية. ورغم أن هذه المجتمعات كانت قد تضاءلت بالفعل بعد الفتح الإسلامي، فإن بقاءها الرمزي استمر قرونًا، حتى بدأت في العقود الأخيرة عملية "خروج طوعي" جديدة. لكن هذا الخروج لم يكن بريئًا تمامًا؛ فقد جاء في ظل ضغوط سياسية واجتماعية وإعلامية كثيفة، جعلت البقاء شبه مستحيل، والهجرة الخيار "العاقل". لم يُطردوا علنًا، ولم يُهاجموا، لكن تم "إقناعهم" بأن لا مكان لهم، في خطوة أكملت تفريغ الجزيرة من أحد أقدم مكوناتها السكانية.

تهجير ناعم... لكنه أكمل مخططًا قديمًا

ما حدث في اليمن وما تبعه في الجزيرة العربية لم يكن معزولًا، بل كان جزءًا من عملية إفراغ مبرمجة للمنطقة من اليهود، وهو ما تحقق هذه المرة بطريقة غير مباشرة وطوعية في ظاهرها. اختُرع شعور الخوف، ونُسجت سرديات الخلاص، وفُتحت أبواب الهجرة على مصراعيها، لتُخلى شبه الجزيرة من أقدم مكوناتها الدينية. بهذا، تحقق ما لم يتحقق بالقوة المسلحة منذ قرون.

من يملأ الفراغ؟ "صهاينة العرب"

بقي السؤال الكبير: من يسد فراغ اليهود في هذه المنظومة الجديدة؟ الإجابة جاءت خلال العقود الأخيرة من خلال استبدالهم بطبقة من "صهاينة العرب"، وهي فئة من العرب المتصهينين سياسيًا وفكريًا، أصبحت تؤدي أدوارًا وظيفية كانت تُسند سابقًا لليهود الشرقيين في المشروع الصهيوني. هؤلاء الجدد لا يحملون ديانة مختلفة، بل يحملون أجندات مختلفة، تنطلق من تحالفات سياسية مع المشروع الصهيوني، وتعمل على تصفية القضية الفلسطينية من داخل البيت العربي.

خاتمة

قصة تهجير يهود اليمن ومن تبقى من يهود الجزيرة ليست مجرد فصل من الماضي، بل هي مرآة تعكس كيف يمكن توظيف الدين، والخوف، والدعاية، لتحقيق أهداف سياسية وجغرافية كبرى. وهي أيضًا تذكير بأن الطوعية الظاهرة قد تخفي قسرًا معنويًا لا يقل قسوة عن العنف المادي. أما اليوم، فإن فهم هذه القصة لا يعني مجرد البكاء على أطلال الوجود اليهودي، بل يعني مساءلة التاريخ عن منطق الإزاحة، والاستبدال، والوظيفة، في مشروع لا يزال يعيد تشكيل المنطقة على مقاسه الخاص.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .