
الإسلام في الفلبين قبل الاستعمار الإسباني
دخل الإسلام إلى الفلبين في القرن الرابع عشر عبر التجار والدعاة القادمين من أرخبيل الملايو واليمن والهند. تأسست سلطنتا سولو وماجينداناو كنظم حكم إسلامية محلية، وأدارت المجتمعات وفق الشريعة الإسلامية، وأقامت علاقات خارجية مع العالم الإسلامي.
وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان الإسلام الدين السائد في معظم جنوب الفلبين، وقد امتد تأثيره الديني والاجتماعي حتى مناطق في الشمال.
حقبة التنصير القسري وتغيير البنية الدينية
مع وصول الاحتلال الإسباني عام 1521، انطلقت حملة تنصير ممنهجة استهدفت تحويل السكان إلى المسيحية الكاثوليكية.
اعتمد الإسبان في ذلك على:
- تدمير المساجد والمؤسسات الإسلامية.
- تغيير أسماء السكان وألقابهم إلى أسماء مسيحية.
- فرض التعليم الكنسي وإلغاء التعليم الشرعي.
- استخدام السلاح والقمع ضد المعارضين.
نجحت هذه الحملة في تغيير هوية معظم الفلبينيين الدينية والثقافية، خصوصًا في جزر الشمال والوسط، بينما بقيت بعض مناطق الجنوب، مثل مينداناو وسولو، عصيّة على التنصير، محتفظة بإسلامها رغم الحملات العسكرية والحصار السياسي.
المسلمون الذين حافظوا على هويتهم: شعب مورو ونضال الاستقلال
شكلت المناطق الجنوبية موطنًا للمقاومة الدينية والسياسية ضد التنصير والاستعمار. شعب مورو، الذي يمثل غالبية المسلمين، خاض عدة مراحل من المقاومة المسلحة منذ القرن السادس عشر حتى العصر الحديث.
وفي القرن العشرين، تأسست حركات مقاومة سياسية وعسكرية أبرزها:
- جبهة مورو الوطنية للتحرير (MNLF)
- جبهة تحرير مورو الإسلامية (MILF)
طالبت هذه الحركات بالاستقلال أو بالحكم الذاتي، مستندة إلى شرعية تاريخية وثقافية. وبعد مفاوضات طويلة، وقعت اتفاقية بانغسامورو للسلام في عام 2014، والتي أفضت إلى إنشاء منطقة بانغسامورو ذات الحكم الذاتي عام 2019، بحكومة محلية تتمتع بصلاحيات تشريعية وتعليمية خاصة، تُعزز الهوية الإسلامية لسكانها.
ردود الفعل المعاصرة: بين محاولات التصحيح والرضا بالواقع المفروض
مع انتشار الوعي بتاريخ الإسلام في الفلبين، خصوصًا عبر المنصات الإلكترونية والمصادر الأكاديمية، تباينت مواقف الفلبينيين:
- محاولات التصحيح
شهدت بعض المناطق عودة أفراد وجماعات إلى الإسلام بعد اكتشاف أصولهم الدينية، إلى جانب نشاطات توعوية تهدف إلى إعادة ربط المجتمع بتاريخه الإسلامي. كما ظهرت مبادرات لبناء المساجد والمدارس الإسلامية وتعزيز التعليم الديني.
- الرضا بالواقع
في المقابل، اختار الكثيرون القبول بالهوية الكاثوليكية المعاصرة كأمر واقع، معتبرين أن التغيير قد تم منذ قرون، وأن الانتماء الحالي هو جزء من ثقافة وطنية مستقرة.
هذا الاتجاه يلقى دعمًا ضمنيًا من الدولة، التي تتعامل مع إعادة طرح الهوية الإسلامية كملف حساس، يحمل طابعًا سياسيًا ودينيًا.
الدور الدولي ودعم الدول الإسلامية
لم تكن قضية المسلمين في الفلبين بمنأى عن المتابعة الدولية. وقد تميز الدعم الخارجي بالتالي:
1. منظمة التعاون الإسلامي
اعترفت بالجبهة الوطنية لتحرير مورو ممثلًا شرعيًا، وساهمت في رعاية المفاوضات، ما أضفى شرعية دولية على القضية، وضغط على الحكومة الفلبينية للاعتراف بالحكم الذاتي.
2. الدول الإسلامية
- ماليزيا: أدّت دور الوسيط الرئيسي في محادثات السلام.
- السعودية: قدمت منحًا دراسية ودعمًا للمؤسسات الدينية.
- تركيا: ساهمت في الإغاثة وإعادة الإعمار عبر منظمات مدنية.
3. المنظمات غير الحكومية
قدمت هيئات إغاثية مثل الندوة العالمية والشؤون الإسلامية مشاريع تعليمية وكفالة أيتام في الجنوب، وواجهت أحيانًا تضييقات حكومية بسبب مخاوف من "التمويل السياسي أو الديني".
4. محدودية التأثير
رغم الجهود، بقي الدعم الدولي غير منتظم، وخاضعًا للسياسات الإقليمية، مما حد من أثره المستدام في تعزيز الهوية الإسلامية أو تطوير البنية التحتية في بانغسامورو.
خاتمة
إن الهوية الدينية للفلبينيين، بما فيها من طمس قسري واستعادة جزئية، تمثل حالة دراسية معقدة في مسار الاستعمار الثقافي والديني. ورغم الاعتراف بالحكم الذاتي في الجنوب، لا تزال الدولة الفلبينية تتعامل بحذر مع إعادة طرح الإسلام كمكون أصيل من تاريخ الأمة.
ومع بروز جيل أكثر وعيًا بالتاريخ المغيَّب، يبقى التحدي الحقيقي في كيفية بناء دولة تعترف بتنوعها، دون أن تفرض على مكوناتها تنازلات في هويتها، أو أن تُكرّس واقعًا تأسس على الإكراه لا الاختيار.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
