فروق: من وعد بلفور إلى صفقة القرن: كيف تغيّر المنطق الغربي في التعامل مع فلسطين

Wednesday, May 14, 2025

من وعد بلفور إلى صفقة القرن: كيف تغيّر المنطق الغربي في التعامل مع فلسطين

منذ وعد بلفور عام 1917، كانت فلسطين مركزًا لتقاطع الاستراتيجيات الغربية، حيث تم التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها أداة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالح القوى الكبرى. لكن مع مرور الزمن، تغيّر المنطق الغربي من منطق التأسيس والدعم غير المشروط للمشروع الصهيوني، إلى منطق إدارة الصراع بما يخدم الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الحيوية... فما الذي تغيّر؟ وما الذي بقي ثابتًا؟ وكيف عكست "صفقة القرن" هذا التحول؟


وعد بلفور: مشروع استعماري مقنّع

لم يكن وعد بلفور مجرد تعبير عن تعاطف مع "الطموحات اليهودية"، بل وثيقة استعمارية صريحة، أُصدرت من دولة استعمارية إلى جماعة قومية بلا أرض، على حساب أصحاب الأرض الأصليين.

تجاهلت الوثيقة الشعب الفلسطيني تمامًا، واختزلته في عبارة "الطوائف غير اليهودية"، ما شكّل بداية منهجية غربية لتغييب الفلسطينيين عن المشهد السياسي والقانوني الدولي.

مرحلة الانتداب البريطاني: تهيئة الأرض للتهويد

خلال عقود الانتداب، استخدمت بريطانيا أدواتها الإدارية والقانونية والاقتصادية لتعبيد الطريق أمام المشروع الصهيوني:

  • تسهيل الهجرة اليهودية المنظمة.
  • فرض قوانين ملكية أراضٍ تتيح نزع الأراضي من الفلسطينيين.
  • قمع الثورات الفلسطينية المتكررة، بينما تغض الطرف عن تسلح العصابات الصهيونية.

لقد كانت تلك المرحلة حاسمة في زرع بذور دولة الاحتلال، تحت عباءة "الإشراف الدولي".


الغرب بعد النكبة: شرعنة النتائج لا مراجعة الأسباب

مع إعلان قيام إسرائيل عام 1948 وبدء النكبة، أظهر الغرب انحيازًا صريحًا، إذ:

  • سارعت الدول الكبرى للاعتراف بإسرائيل.
  • تم تجاهل مأساة أكثر من 700 ألف لاجئ فلسطيني.
  • أعيد توصيف القضية الفلسطينية كـ"مشكلة لاجئين"، لا كقضية شعب اقتُلعت أرضه.

بقي منطق الهيمنة حاضرًا، ولكن بثوب قانوني جديد يحمي الكيان المُستحدث ويعزل الشعب المُهجّر.


الحرب الباردة: فلسطين رهينة التوازنات

في سياق الحرب الباردة، أصبحت فلسطين ملفًا فرعيًا في لعبة الأمم:

  • تحوّل الصراع إلى بند أمني مرتبط بمكافحة النفوذ السوفييتي.
  • تم دعم إسرائيل كحليف استخباراتي متقدم للولايات المتحدة.
  • قُدّمت المساعدات الغربية للفلسطينيين، ولكن بشروط أمنية وسياسية صارمة.

وهكذا تم تذويب البعد التحرري للقضية، وتحويلها إلى "نزاع يجب احتواؤه".


ما بعد أوسلو: التسوية لا تعني العدالة

جاء اتفاق أوسلو كتحول في الخطاب الغربي، لكنه لم يكن اعترافًا حقيقيًا بالحقوق الفلسطينية، بل:

  • أعاد تعريف القضية على أنها "خلاف إداري" بين طرفين متكافئين.
  • تم تمويل السلطة الفلسطينية لتعمل كوسيط لا كجهة مقاومة.
  • أصبحت المساعدات الدولية وسيلة ضغط سياسي، وليست دعمًا للتحرر.

الغرب دعم "السلام" كإطار يحافظ على أمن إسرائيل، لا كآلية لإنهاء الاحتلال.


صفقة القرن: منطق الوقائع لا القانون

مثّلت "صفقة القرن" التي أعلنتها إدارة ترامب عام 2020 ذروة التحول في المنطق الغربي:

  • الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
  • تصفية قضية اللاجئين بإسقاط حق العودة.
  • تسويق مشاريع اقتصادية للفلسطينيين كتعويض عن الحقوق السياسية.

المنطق هنا لم يكن التفاوض، بل فرض "نهاية الصراع" على حساب الطرف الأضعف.


التحول في المنطق الغربي: من التأسيس إلى الإدارة

الملحوظ في المسار الغربي أن القضية الفلسطينية تحوّلت من:

  • مشروع استعماري يُراد فرضه (وعد بلفور)،
  • إلى مشروع يتوجب إدارته وحمايته وتجميله (صفقة القرن).

لم يعد الخطاب يدور حول "حق اليهود" بقدر ما يتركز على "أمن إسرائيل"، وتحوّل الفلسطينيون في الرؤية الغربية من "ضحايا" إلى "عائق أمني".


خاتمة

ما بين وعد بلفور وصفقة القرن، تغيّرت اللغة، وتبدّلت الأدوات، ولكن الغاية بقيت ثابتة: الحفاظ على إسرائيل كأداة استراتيجية في المنطقة. غير أن هذا المنطق، مهما تراكمت خلفه القوى والدعم، يواجه اليوم تحديات حقيقية:

  • تنامي الوعي الشعبي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية.
  • انكشاف المعايير المزدوجة في الخطاب الغربي أمام الرأي العام.
  • صعود المقاومة الفلسطينية كمشروع وطني، لا كملف قابل للتصفية.

إنّ المنطق الغربي القائم على التجميل دون حل، وعلى الصفقات دون عدالة، بات مكشوفًا ومهددًا بالانهيار الأخلاقي والسياسي في آنٍ معًا.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .