
خروج عن النص التاريخي: من مبدأ مونرو إلى كسر الهيمنة
منذ إعلان مبدأ مونرو عام 1823، اعتبرت الولايات المتحدة أمريكا اللاتينية مجالًا حيويًا يجب ألا يخترقه نفوذ خارجي. هذا التصور ظل ساريًا لعقود، تارة بالتدخلات العسكرية المباشرة، وتارة أخرى بوسائل الضغط السياسي والاقتصادي.
لكن الصين اليوم تدخل من باب التمويل والتعاون التنموي، متجاوزة القيود التاريخية، ومرسخةً وجودًا صعب الإزاحة.
استراتيجية الصين: النفوذ عبر الديون والمشاريع
الصين تستخدم أدوات متعددة في هذا التمدد، أبرزها:
- قروض ضخمة لدول تعاني من عجز اقتصادي، مثل الأرجنتين وفنزويلا والإكوادور.
- تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبرى عبر شركات صينية حصرًا، ما يُعيد الأموال لبكين ويضمن التبعية.
- عقود طويلة الأمد لتأمين المواد الخام والطاقة بأسعار تفضيلية.
- ضم 21 دولة إلى مبادرة الحزام والطريق، في إطار نسخته الغربية.
هذا التغلغل يتم دون مشروطية سياسية أو ضغوط ديمقراطية، وهو ما يجعل النموذج الصيني جذابًا لحكومات تعاني من الأزمات أو تخشى التدخل الخارجي.
أمثلة على النفوذ الصيني المتنامي
- بنما: بعد أن تخلت عن الاعتراف بتايوان، حصلت على استثمارات ضخمة من الصين، خصوصًا في تطوير موانئ حساسة قرب قناة بنما.
- الإكوادور: باعت نفطها مستقبلًا مقابل قروض صينية استخدمت لبناء سدود ومحطات كهرباء.
- الأرجنتين: أقامت تعاونًا فضائيًا مع الصين شمل إنشاء محطة مراقبة في موقع استراتيجي، ما أثار قلقًا استخباراتيًا أمريكيًا.
لماذا تقلق أمريكا؟
-
خرقٌ صريح للخطوط الحمراء التاريخية.
-
إعادة توجيه دول الجوار الجنوبي نحو تحالفات جديدة.
-
تزايد النفوذ الصيني دون الحاجة لاستخدام القوة الصلبة.
-
إمكانية استخدام هذه المشاريع لاحقًا لأغراض لوجستية أو استخباراتية.
هذا النفوذ الناعم قد لا يُحدث أزمة فورية، لكنه يؤسس لتوازن قوى جديد، يُضعف الهيمنة الأمريكية الطويلة، ويقلب مفاهيم الجوار الاستراتيجي.
بين النموذج الأمريكي والنموذج الصيني: اختلاف في الفلسفة والأداة
المحور | النموذج الأمريكي | النموذج الصيني |
---|---|---|
الأداة | مؤسسات دولية مشروطة | قروض ثنائية مرنة |
الشروط | إصلاحات سياسية واقتصادية | التزام تجاري وتنفيذي فقط |
الغاية | ترسيخ النظام الليبرالي | إعادة تشكيل النظام العالمي |
الطابع | خطابي / رقابي | براغماتي / تنفيذي |
خاتمة:
تحوّل بصمت... لكن بصدى بعيد
الوجود الصيني في أمريكا اللاتينية هو تحدٍ استراتيجي لواشنطن لا يمكن تجاهله. قد لا يحمل طابعًا عدائيًا مباشرًا، لكنه يضرب في العمق تصورات أمريكا عن محيطها الجيوسياسي، ويُظهر أن النفوذ العالمي اليوم يُعاد رسمه بالأموال، لا بالمدافع.
الصين لا تحتاج لحاملة طائرات كي تكون قوة عالمية في الحديقة الخلفية لأمريكا، بل تحتاج فقط إلى اتفاق تمويل ذكي، وميناء قيد التطوير، وحكومة مثقلة بالديون تبحث عن بديل سريع.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
