انتقائية التغطية: كيف يصنع الإعلام روايته الخاصة؟

سلسلة: التضليل الإعلامي والمسلمات الكاذبة
المجموعة الأولى: الإعلام
المقال (4): انتقائية التغطية – كيف يصنع الإعلام روايته الخاصة؟

المقدمة
ما لا يُقال أحيانًا أهم مما يُقال. في عالم يمتلئ بالأحداث، يصبح الاختيار نفسه شكلاً من أشكال السلطة. الإعلام لا يستطيع تغطية كل شيء، هذا صحيح، لكنه لا يختار مصادفة. بل ينتقي ما يسلّط عليه الضوء، ويُهمّش ما يشوّش على روايته. هكذا لا يكتفي الإعلام بصياغة الأخبار، بل بصياغة الواقع ذاته، عبر عدسة انتقائية تصنع وعيًا ناقصًا يُشبه الحقيقة، لكنه مُفصّل على مقاس السلطة.

المسلمة المزعومة: الإعلام يعرض كل ما يجري بإنصاف وتوازن
يُقال إن الإعلام يعرض الصورة كاملة، ويترك الحكم للمشاهد. تُسوَّق القنوات الكبرى على أنها تُعطي لكل الأطراف صوتًا، ولكل حدث نصيبه من التغطية، بلا تحيّز أو إقصاء. لكن الواقع أن بعض القضايا تُدفن بالصمت، وبعض الجرائم تُغلف بالتبرير، وبعض الأصوات تُسكت بعدم التغطية أصلًا.

الهدف منها: احتكار الرواية وإعادة تعريف الواقع حسب المصالح
من خلال انتقاء الأحداث وتضخيم بعضها وتجاهل الآخر، يُعاد تشكيل الوعي الجمعي. يُقدَّم حدث ما على أنه "أزمة كبرى"، بينما تُغيّب مآسي أخرى لأنها تُحرج الخطاب السياسي السائد. بهذه الطريقة، لا يُسيطر الإعلام على ما نعتقد فقط، بل على ما نعرف أصلًا.

الأساليب المستخدمة: انتقاء الحدث، وتكثيف الزاوية، وحذف السياق

  • اختيار أحداث معيّنة لتكون في العناوين الأولى، وتجاهل أخرى تمامًا.

  • تسليط الضوء على "ردود الفعل" دون تحليل الأسباب الأصلية.

  • التركيز على العنف إذا جاء من الخصم، وتجاهله إذا صدر عن الحليف.

  • استخدام الصور والمقاطع التي تُثير التعاطف في جانب، والريبة في جانب آخر.

  • تقديم الضحية كرقم، والجاني كمعلومة غامضة، عندما لا يُناسب التوصيف الكامل.

النتائج: واقع إعلامي مُلفّق يغذي الانقسام والتضليل
حين يعتاد الناس على تغطية منقوصة، يصبح الوعي العام هشًّا، قائمًا على انطباعات لا على معرفة. يُصبح من السهل توجيه الغضب العام نحو جهات بعينها، أو إسقاط التعاطف عن ضحايا لا ينسجمون مع الرواية المهيمنة. هكذا، تُصنع الكراهية، وتُغذى العنصرية، وتُخنق الحقيقة تحت ركام الصور المنتقاة.

الخاتمة: لا تصدق ما يُقال فقط، اسأل عمّا لم يُقل
الانتقائية ليست مجرد تقصير، بل استراتيجية. لا يمكن فهم الإعلام الحديث من دون إدراك ما يغيب عنه، وما يُهمّش فيه، وما يُدفن تحت سيل الأخبار المتكررة. وحده العقل الذي يتساءل عن "السكوت الإعلامي" يمكنه النجاة من التوجيه غير المباشر.

كلمات مفتاحية
الانتقائية الإعلامية، تزييف الواقع، الصمت الانتقائي، إعلام المصلحة، الأخبار الموجَّهة، التضليل بالصمت، الرواية الإعلامية، تهميش الأحداث، التضليل الناعم، وعي ناقص

وصف الصورة المقترحة
كاميرا إعلامية ضخمة مسلّطة على مشهد صغير جدًا (طفل يبكي)، بينما تُغفل خلفها مشهدًا واسعًا لحريق ودمار وضحايا لا تُرى. يظهر خلف الكاميرا رجل يحمل قائمة "ما يجب تصويره"، وخلفه شخص يُمزّق أوراقًا مكتوب عليها "لا تُنشر". (صورة رمزية، أفقية، بدون كتابة)

أحدث أقدم
🏠