الوعي السياسي

تايوان: تحالف التاجر والقاتل.. وإعادة هندسة النفوذ في المحيط الإندو-هادئ

منذ عقود وتايوان تُقدَّم في الإعلام الغربي بوصفها «جزيرة الديمقراطية الصغيرة» التي تتحدى التنين الصيني، وكأنها الحصن الأخير للحرية في وجه الاستبداد الشرقي. غير أن هذه الصورة المصنوعة بعناية تخفي تحتها شبكة معقدة من المصالح الصناعية والعسكرية والمالية التي تتشابك بصمت بين واشنطن وبكين. فالجزيرة التي تُنتج الرقائق الدقيقة التي تدير الاقتصاد الرقمي العالمي، باتت اليوم ساحة التقاء بين تكنولوجيات الغرب وطموحات الشرق، ومختبرًا لتجريب شكل جديد من الصرا…

صناعة الواقع الافتراضي السياسي: كيف تتحكم القوى الغربية بالإعلام الرقمي

في عالم يزداد اعتمادًا على المعلومات الرقمية، لم تعد الحرب تُخاض بالصواريخ فقط، بل بالبيانات والشاشات. الإعلام الرقمي أصبح اليوم ساحة صراع خفية تُعاد فيها صياغة الواقع وفق مصالح القوى الكبرى، وخصوصًا الغرب. الفكرة ليست مجرد نقل الأخبار، بل إعادة تشكيل الإدراك الجماعي ، وتحويل الرأي العام إلى متلقي خاضع لسرديات دقيقة، تُدار عبر خوارزميات التوصية والمنصات الرقمية. التحكّم في المنصات: الخوارزميات كسلاح خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي تُصمَّم لإ…

أوكرانيا: الحرب الصامتة: البُنى التحتية للطاقة كساحة صراع

في خضم الصراع المشتعل في أوكرانيا، لم تعد المعارك تُقاس بعدد القذائف ولا بحجم الدمار في المدن، بل بالبنية التحتية التي تُصاب في صميمها. فشبكات الكهرباء، وأنابيب الغاز، ومحطات الطاقة النووية تحوّلت إلى جبهة خفية في حرب تتجاوز الميدان العسكري إلى هندسة الوعي والاقتصاد والسيطرة الجيوسياسية. هذه الحرب الصامتة تُدار عبر مفاتيح الضغط الطاقي، لا عبر فوهات البنادق فقط. سلاح الطاقة: معركة النفوذ قبل الدمار منذ اليوم الأول للحرب، أدركت موسكو أنّ السيطرة…

تفكيك الوعي - المحور الثالث: أدوات السيطرة: استخدام المسلمين في الحروب بالوكالة

وعي المسلمين المتأخر بحروب الوكالة.. الثمرة يقطفها الآخرون   منذ أفول الخلافة العثمانية، واندفاع القوى الاستعمارية لإعادة رسم خرائط العالم الإسلامي، صار الدين — لا سيما فكرة “الجهاد” — مادةً خامًا في مختبر السياسة العالمية. تحت شعارات التحرر ومقاومة الإلحاد أو الطغيان، خاض المسلمون معارك كبرى ظنّوها طريقًا إلى نهضة الأمة، فإذا بها تُفتح على مصائر مدمّرة صنعتها مراكز القوى في واشنطن ولندن وتل أبيب. لم يكن الخداع في المبدأ، بل في التوظيف؛ إذ تحوّل…

تفكيك الوعي - المحور الثاني: استخدام الحروب لتفكيك القوى الصاعدة: الحرب على الإرهاب

الحرب على الإرهاب.. كيف مهّدت واشنطن لصعود خصميها الأكبرين: الصين وروسيا   حين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية “الحرب على الإرهاب” في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، بدا المشهد وكأن العالم يدخل مرحلة جديدة من الهيمنة الأمريكية المطلقة. كان الخطاب مشحونًا بالرمزية: صراع بين “الحرية” و”الظلام”، بين “النظام العالمي الجديد” و”الفوضى”. لكن خلف هذا الغطاء الأخلاقي كانت تتشكل واحدة من أكثر المفارقات الاستراتيجية في التاريخ الحديث: فالحرب التي أرادت بها وا…

تفكيك الوعي - المحور الثاني: استخدام الحروب لتفكيك القوى الصاعدة: حرب الشيشان وأوكرانيا

حرب الشيشان وحرب أوكرانيا: وحدة الغرض واختلاف القناع   منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، لم تهدأ محاولات الغرب لاختراق المجال الحيوي الروسي وإعادة تشكيل محيطه وفق هندسة جيوسياسية تُضعف موسكو وتستنزف قدرتها على استعادة نفوذها الدولي. في هذا السياق، لم تكن حرب الشيشان في التسعينات سوى فصل مبكر من المشروع ذاته الذي تجلّى لاحقًا في حرب أوكرانيا: هدف واحد بأدوات مختلفة. ورغم تباين الواجهة الدينية والقومية والإعلامية بين الحربين، إلا أن الخيط الناظم لهما هو…

تفكيك الوعي - المحور الثاني: استخدام الحروب لتفكيك القوى الصاعدة: حرب الشيشان ضد روسيا

حرب الشيشان ضد روسيا: ما وراءها وما بعدَها   ليست حرب الشيشان مجرّد صراعٍ محليّ بين موسكو وجمهوريةٍ متمرّدة في القوقاز، بل هي فصلٌ من فصول الحرب العالمية الباردة الجديدة التي بدأت قبل أن تُعلَن رسميًا. فبين أنقاض غروزني، كانت تتقاطع خطوط الاستراتيجيا الأمريكية، والمصالح النفطية، والوصاية الدينية المموّلة من الخليج، مع إرثٍ روسيٍّ مثقلٍ بالانهيار السوفييتي. إنها الحرب التي كشفت كيف يمكن تحويل قضية تحرّرٍ محلية إلى أداةٍ في لعبة الأمم. الشيشان بعد…

تفكيك الوعي - المحور الأول: تفكيك الجذور التاريخية: تشويه الدولة العثمانية

تشويه الدولة العثمانية: الهندسة الغربية للوعي بعد التقسيم حين سقطت الدولة العثمانية، لم يكتفِ الغرب بإسقاط كيانٍ سياسيٍّ كان يقف سدًّا أمام أطماعه، بل شرع في تفكيك الذاكرة الجمعية نفسها. فبعد أن تم تقسيم الجغرافيا وفق خرائط سايكس–بيكو، بدأ تقسيم أخطر: تقسيم الوجدان والهوية. وُلدت من رحم الخراب دول قومية، وصيغت مناهج تعليم، وأُطلقت دعايات فكرية هدفها محو أي ارتباط نفسي أو تاريخي بفكرة "الدولة الجامعة". لقد تحوّل المشروع الغربي من احتل…

العلمانية العربية: مشروع الهيمنة الذي سقط من الداخل

حين تسللت العلمانية إلى العالم العربي، لم تدخل بوصفها مشروعًا لتحرير العقل كما ادّعى مروّجوها، بل جاءت كحصان طروادة جديد في معركة السيطرة على الوعي. لم تنشأ من حاجة داخلية ولا من تطور فكري طبيعي كما في التجربة الأوروبية، بل فُرضت من فوق — بالسلاح، والتعليم، والإدارة، والإعلام — لتفكيك الهوية الجامعة التي كانت تمثل آخر خطوط الدفاع ضد الهيمنة الخارجية. من هنا تبدأ قصة “العلمانية العربية”: مشروع بلا جذور، وأيديولوجيا بلا مجتمع. البدايات: من مشروع …

إندونيسيا: ثورة الجياع وهروب سوهارتو: حين انفجر الصمت الشعبي في وجه الإمبراطورية المالية

لم تكن ثورة الجياع في إندونيسيا عام 1998 مجرد اضطرابات شعبية ضد الغلاء، بل كانت لحظة تاريخية كسرت فيها الجماهير واحداً من أطول أنظمة الحكم في آسيا، وأسقطت الرجل الذي مثّل لثلاثة عقودٍ متواصلة وجه "الاستقرار المصنوع" على الطريقة الأمريكية. سوهارتو، الذي اعتُبر يوماً “بطل التنمية”، انتهى هارباً من شعبٍ جاع تحت نظامٍ كان يصدّر للغرب صورة “المعجزة الاقتصادية الآسيوية”. من الجنرال المنقذ إلى رجل المؤسسات الأجنبية تسلّم سوهارتو الحكم عام 1…

روسيا: من التدخل العسكري في سوريا إلى إعادة التموضع الجيوسياسي

تدخل روسيا في سوريا لم يكن مجرد دعم لنظام بشار الأسد، بل كان مسرحًا استراتيجيًا لإعادة تشكيل النفوذ الروسي في الشرق الأوسط . ومع سقوط النظام السابق، بدأت موسكو تحوّل سياساتها، من ضرب وتهجير السوريين إلى دعم الحكومة الجديدة المعارضة، في خطوة تحمل دلالات جيوسياسية عميقة. هذا التحول ليس انعكاسًا أخلاقيًا، بل قرار استراتيجي لتثبيت المصالح الروسية وسط صراع عالمي متصاعد مع أمريكا والغرب، مع الأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية والصعود الصيني. التدخل…

النيولبرالية: عقيدة السوق وبنية السيطرة الحديثة

في ظاهرها، تبدو النيولبرالية خطابًا اقتصاديًا يَعِدُ بالتحرر والانفتاح، لكنها في حقيقتها منظومة فكرية شاملة أعادت هندسة العالم على مقاس رأس المال، وجعلت السوق مركز الكون. فهي ليست نظرية في إدارة المال، بل مشروع لإعادة تشكيل الإنسان والدولة والمجتمع وفق منطق الربح، حيث تُختزل الحرية في حرية الشراء، وتُقاس الكفاءة بقدرة الفرد على البقاء في مضمار المنافسة. الخلفيات التاريخية: من انهيار الكينزية إلى ثورة رأس المال بعد الحرب العالمية الثانية، سادت …

الإفلات من العقاب: عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين

في قلب الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، يبرز عنف المستوطنين كأحد أبرز مظاهر الاحتلال اليومي، الذي يتراوح بين الاعتداءات الجسدية والنهب والتهديد، وصولاً إلى القتل العمد أحياناً. وما يفاقم مأساة الفلسطينيين ليس فقط هذه الانتهاكات، بل الإفلات شبه التام من العقاب ، ما يجعلها جزءاً من منظومة أوسع من الوصاية والسيطرة، حيث يصبح القانون أداة انتقائية بدل أن يكون رادعاً للجرائم. المشهد الميداني: عنف يومي بلا حساب تقارير حقوقية إسرائيلية ودولية توثق مئات ال…

المأزق المزدوج: حين فقدت إسرائيل أمانها وخرجت المقاومة من الركام أكثر حضورًا

لم تكن حرب غزة الأخيرة حربًا عادية، ولا مواجهة عسكرية أخرى في سجل الصراع. لقد كانت زلزالًا استراتيجيًا ومعنويًا أعاد تشكيل معاني النصر والهزيمة في المنطقة. فبينما خرجت إسرائيل بدمارٍ واسعٍ ظنّت أنه انتصار، خرجت المقاومة الفلسطينية وقد زعزعت الأسطورة الأعمق في العقيدة الصهيونية: أسطورة الأمان المطلق. في هذه الحرب، تغيّر جوهر الصراع — إذ لم يعد السؤال من يملك القوة، بل من يملك المعنى، ومن يستطيع البقاء رغم السحق. من السيطرة بلا حرب إلى الحرب…

الغدر المشروع: كيف نزعت الثقافة الغربية الأخلاق من السياسة؟

في عالم السياسة الغربية، لا تُقاس الأفعال بمعيار الصدق والوفاء، بل بمعيار المصلحة والنتيجة. فحين تنقض حكومةٌ عهدًا أو اتفاقًا مع دولة أخرى، لا يُوصَف الفعل بالخيانة أو الغدر، بل يُعاد تأطيره في الخطاب الرسمي والإعلامي تحت عناوين مريحة: «تغيّر في الظروف»، «إعادة تقييم للمصالح»، أو «تصحيح للمسار الاستراتيجي». وهكذا، جرى تحييد البعد الأخلاقي من المجال السياسي حتى أصبح الغدر نفسه مشروعًا، ما دام يخدم ما يُسمّى بالمصلحة القومية. 1. من الأخلاق إلى ا…

حين يختطف الخوف جناح الطائرة: من ورقة ضغط إلى انتحار سياسي

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت حوادث اختطاف الطائرات حدثًا متكررًا في نشرات الأخبار، تُنفّذها جماعات سياسية أو أفراد يسعون لجذب انتباه العالم إلى قضية ما. كانت الطائرة آنذاك رمزًا للهيبة الغربية، والسيطرة الجوية، والسفر المترَف، فصار اختطافها أقصر الطرق إلى الميكروفون الدولي. غير أنّ التحوّل الذي طرأ لاحقًا على طبيعة تلك العمليات — من التفاوض إلى التفجير — يكشف كيف تغيّرت السياسة العالمية، وكيف انحدر الإنسان من البحث عن اعترافٍ لقضيته إ…

أنفاق فيتنام وأنفاق غرة: كيف يعاد تعريف الشجاعة والهزيمة

لم تتغيّر المقاومة، بل تغيّر من يملك الحق في وصفها. حين انتصرت فيتنام، صار حفر الأنفاق رمزًا للعبقرية والتحدي، وامتلأت الكتب والأفلام بتمجيد المقاتل الفقير الذي هزم أقوى جيش في العالم. وحين قاومت غزة العدوّ نفسه بثوبٍ آخر – جبهة أمريكية مزروعة في قلب المنطقة – صار الفعل ذاته جريمة، وصار المقاتل نفسه “جبانًا يختبئ تحت الأرض”. إنها ليست حرب روايات فحسب، بل حرب على الوعي: كيف تُحوَّل الهزيمة إلى بطولة، وكيف يُجرَّم من لم يُهزم بعد. فيتنام: حين…

توظيف الحقائق لأهدافٍ مضادّة: كيف يُصنع التضليل من الصدق

في عالمٍ تزداد فيه وفرة المعلومات، لم تعد الكذبة وحدها وسيلة التضليل، بل أصبحت الحقيقة نفسها أداةً يمكن تطويعها لخدمة أهدافٍ مناقضة لجوهرها. فحين يُراد توجيه وعي الجماهير، لا يحتاج المُضلِّل إلى اختراع الوقائع، بل يكفيه أن ينتقي أجزاءً منها، ويعيد ترتيبها، أو يضعها في سياقٍ جديد يبدّل معناها تمامًا، ليُنتج من الحقيقة نقيضها. التحكم في السياق لا في المضمون ليست الخطورة في إنكار الحقيقة، بل في طريقة تقديمها. فالتلفيق الفجّ يسهل كشفه، أما التلاعب…

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج