
سلسلة: التضليل الإعلامي والمسلمات الكاذبة
المجموعة الأولى: الإعلام
المقال (3): حياد الإعلام – القناع الذي تُخفي به السلطة وجهها
المقدمة
من أكثر الشعارات بريقًا في العصر الحديث: "الحياد الإعلامي". فكرة أن الإعلام يقدّم الخبر كما هو، بلا تحريف، بلا انحياز، بلا موقف. لكن، أليس الاختيار نفسه موقفًا؟ أليست صياغة العنوان، ترتيب الفقرات، اختيار الصور، حذف التفاصيل... كلها قرارات تصنع الرواية؟ حياد الإعلام، كما يُسوّق له، ليس إلا قناعًا أنيقًا يُخفي وجه السلطة، ويُلبس الدعاية ثوب المهنية.
المسلمة المزعومة: الإعلام ينقل الحقائق بحياد وموضوعية
تُكرر المؤسسات الإعلامية الكبرى أنها لا تنحاز، وأنها تترك للمشاهد "حرية تكوين الرأي". ويُقدَّم الإعلام الغربي خاصة بوصفه نموذجًا رائدًا في "الحياد الموضوعي"، كأن الصحفي آلة تنقل الواقع كما هو، بلا أي تصوّر مسبق، ولا انحياز ثقافي، ولا ميول سياسية.
الهدف منها: نزع الشك عن الرواية الرسمية وتمرير التوجيه كأنه معلومة
حين يقتنع المتلقّي أن الوسيلة الإعلامية محايدة، فإنه يتلقّى منها كل ما يُقال بوصفه حقيقة مجردة. بهذا، يصبح من السهل تمرير أجندات سياسية واقتصادية وثقافية تحت غطاء "التقارير الإخبارية". ويتم إسكات النقد المُحتمل باتهامه بالتشكيك في المهنية.
الأساليب المستخدمة: تحيّز ناعم بلغة باردة
-
استخدام مفردات مشحونة ضد جهة، وأخرى مفرغة ضد جهة أخرى (مثلاً: مقاومة/إرهاب).
-
تجاهل أحداث كاملة، أو تضخيم تفاصيل جزئية حسب الحاجة.
-
ترتيب الأخبار وفق الأولويات التي تحددها المصالح، لا الحقائق.
-
استضافة "خبراء" مختارين بعناية لتكرار الرواية المرغوبة بلغة علمية.
-
توظيف الصور والموسيقى والخلفيات بطريقة تخلق انطباعًا عاطفيًا، دون تصريح مباشر.
النتائج: صناعة رأي عام مُنحاز دون أن يشعر بانحيازه
الخطورة هنا ليست في الكذب المباشر، بل في بناء سردية مُنحازة تَظهر وكأنها محايدة. وهذا يؤدي إلى تشويه وعي الجمهور، بحيث يتبنى مواقف سياسية أو ثقافية دون وعي بأنها ناتجة عن تلاعب خفي في طريقة عرض "الوقائع". يصبح العقل أسيرًا لصورة مرئية لا تبدو كدعاية، لكنها مبرمجة بدقة أكبر.
الخاتمة: لا يوجد حياد بلا وعي سياقي
الحياد الإعلامي المزعوم هو خرافة خطيرة حين يُستخدم كستار لتمرير الخطاب السلطوي. علينا أن نتعامل مع الإعلام، لا بوصفه مرآة صافية، بل بوصفه محررًا انتقائيًا لما يُقال ويُخفى. فالوعي الحقيقي يبدأ من الشك، لا من التسليم.
كلمات مفتاحية
الحياد الإعلامي، الموضوعية الزائفة، الإعلام الغربي، تزييف الحقائق، التضليل الناعم، صناعة الرأي العام، الإعلام والمصالح، الانحياز الخفي، التلاعب بالمصطلحات، الأخبار الموجَّهة
وصف الصورة المقترحة
ميكروفون أمامه شاشة تلفاز يظهر فيها مذيع ببدلة رسمية، يحمل ميزانًا ذهبيًا في يده اليمنى، بينما اليد اليسرى – المخفية خلف ظهره – تمسك بحبل موصول بكرسي سياسي. خلف الشاشة، تظهر غرفة تحكّم فيها رجال ظلّ يراقبون كل شيء. (صورة أفقية، رمزية، بدون كتابة)