اقتصاد الدول

المالديف: من الإسلام المبكر إلى الغرق المرتقب

وسط المحيط الهندي، تمتد جزر صغيرة مرجانية كأنها حبّات لؤلؤ متناثرة على صفحة الماء، تُعرف اليوم باسم "المالديف". لكن خلف هذا الجمال الهادئ، تختبئ قصة طويلة من التحولات الدينية والسياسية، ومن الصراع مع الاستعمار إلى التهديد الوجودي بالغرق. هذه الدولة الإسلامية التي عرفت الإسلام منذ القرن الثاني عشر، والتي قاومت القوى الأوروبية واحتفظت بهويتها، تجد نفسها اليوم في مفارقة صارخة: تاريخٌ طويل من الصمود، ومستقبلٌ قد يُبتلع بالكامل تحت الأمواج .

موريشيوس : وطنٌ وُلد من أرحام التهجير

ليست كل الأوطان نتيجة تراكُمٍ تاريخي طبيعي لشعب استوطن أرضه وتشكّلت هويته على ترابها عبر القرون.  ثمة أوطان وُلدت على عجل، وصِيغت هويتها من خيوط التهجير والإكراه، لا من جذورٍ ضاربة في الأرض.  موريشيوس، تلك الجزيرة الصغيرة المعزولة في المحيط الهندي، تمثل نموذجًا نادرًا لوطنٍ لم يكن لأحد، ثم أصبح للجميع. لا سكان أصليين، لا رواية محلية عريقة، بل فسيفساء بشرية نُسجت بخيوط العبودية، والاستعمار، والترحيل القسري.

الصحيفة الورقية: زمن انتهى أم شكل جديد من البقاء؟.. كيف يُصنع الربح دون بيع

في عالمٍ تتسارع فيه الأخبار وتتغيّر المنصات كل يوم، تقف الصحيفة الورقية ككائنٍ من عصر آخر، تتنفس بصعوبة في بيئة لم تعد تُشبهها. فمن بقي اليوم يشتري جريدة ورقية؟ وهل ما زالت الصحافة المطبوعة تملك دورًا حقيقيًا في المشهد الإعلامي؟ ثم الأهم: كيف تتحقق الأرباح في ظل تراجع البيع وتحوّل الجمهور إلى المجاني الرقمي؟ أسئلة تختصر أزمة صناعة كاملة تحاول أن تعيد تعريف ذاتها وسط زحام التغيير، لا عبر الحنين، بل عبر البحث عن مصادر بقاء جديدة.

العولمة: تبادل تجاري حقيقي أم فرضٌ للتجارة على الدول النامية؟

العولمة تُقدَّم لنا – إعلاميًا – بوصفها حركة تبادل حرّ للسلع والخدمات، ووسيلة لتقليص الفجوة بين الشمال والجنوب، وتحقيق التنوّع والانفتاح الثقافي. غير أن الصورة الظاهرة لا تكشف دومًا عن المضمر في العمق. فهل العولمة فعلًا تبادل تجاري متكافئ، أم أنها آلية لفرض شروط التجارة على الدول الأضعف باسم "حرية السوق"؟  وهل انخراط الدول النامية في منظومة العولمة يخدم تنميتها فعلًا، أم أنه يُعيد إنتاج تبعيتها بشكل مموّه؟

السجائر: الحل الفعّال وتعمّد تجاهله

في عالم تحكمه الصورة وتتنازع فيه السرديات..  لم تعد السجائر مجرد لفافة تبغ تُحرق في أطراف الأصابع، بل تحولت إلى رمز ثقافي، وأداة صراع بين جهتين: جهة تروّج لها كعلامة على التحرر والرجولة والتمرد، وأخرى تحذر منها كقاتل صامت يفتك بالبشر دون ضجيج. وبين هذا وذاك، يقف الإنسان المستهلك حائرًا:  أيّ الخطابين أصدق؟ وأيّ الروايتين تعكس الحقيقة؟  أم أن الحقيقة ذاتها باتت خاضعة للطلب والعرض؟

اليابان : تفوقت في صناعة الآلة.. حتى صنعت من الإنسان آلة

لم يكن النجاح الياباني محض معجزة اقتصادية كما يصوّر الإعلام، بل كان ثمرة تصميم جماعي صارم حوّل المجتمع إلى ماكينة متقنة الأداء. غير أن هذا "النموذج" الذي طالما تغنّى به العالم، أخفى في ثناياه معاناة بشرية صامتة، ودفَع ثمنَه الإنسان الياباني من صحّته النفسية واجتماعه البشري، بل من إنسانيته ذاتها. كيف يمكن لأمة أن تصنع الروبوتات والقطارات الأسرع في العالم، وتعجز عن بناء علاقات إنسانية حقيقية داخل بيوتها؟ يتصدّر اليابانيون مؤشرات التقنية والانضباط، ويتصدّرون أيضًا مؤشرات الاكتئاب والان…

الهند : الفقر والطبقات.. بين الواقع المرير ودعاية النمو الاقتصادي

تمثل مثالًا صارخًا على ما يمكن تسميته بـ"النمو المنفصل عن العدالة". حين تطأ قدم الزائر أرض الهند لأول مرة، غالبًا ما يُفاجأ بصدمات متتالية: العشوائيات الهائلة، الأطفال الحفاة في الشوارع، الفوارق الطبقية الحادة، وفوضى لا يمكن تصنيفها بسهولة ضمن خانة "التنوع". هذا الانطباع الأولي ليس مجرّد مشهد عابر، بل هو مرآة تكشف التناقض العميق بين سردية " النمو الاقتصادي الكبير " وواقع الفقر البنيوي المتجذر في أعماق المجتمع الهندي.

نيبال: دولة فقيرة... لم تُنهب بل تاهت

تبدو نيبال على خريطة العالم كخط جبلي صغير بين عملاقين: الهند والصين. ومع ذلك، فإن فقرها العميق لا يعود لموقعها الجغرافي فقط، بل لتراكم من العوامل البنيوية، والتاريخية، والسياسية، جعلها دولة بلا مشروع، ولا هدف، ولا رافعة سيادية حقيقية. هي ليست "منجمًا مستنزَفًا"، ولا "جنة سياحية مباعة"، ولا حتى دولة ذات موارد منهوبة. إنها ببساطة دولة  تاهت في الفراغ الجيوسياسي، والجمود الداخلي، والتخبط الاقتصادي.

نيجيريا: نفط غزير، فقر غائر

رغم أنها تسبح على بحر من النفط، تغرق نيجيريا في بحر من الفقر، والفساد، والانهيار.  تُعدّ أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، وتاسع أكبر مصدر للنفط في العالم، ومع ذلك يعيش معظم سكانها بلا كهرباء مستقرة، ولا مياه نظيفة، ولا خدمات تعليم أو صحة تليق بمواردها.  النفط الذي كان يُفترض أن يكون رافعة تنموية، تحوّل إلى لعنة هيكلية، تُغذي النخب الفاسدة، وتُفقِر الشعب.  شركات أجنبية تدير الثروة، وصندوق النقد يحدد السياسات، فيما تُغذى الصراعات الطائفية كأداة لصرف الأنظار.

بنغلاديش: بين الطفرة النسيجية والبؤس الإنساني

تُقدَّم بنغلاديش في الخطاب الاقتصادي العالمي كقصة نجاح مدهشة: بلد فقير سابقًا يتحوّل إلى مصنع عالمي للملابس، ويحقق معدلات نمو لافتة. لكن حين نزيح الستار عن الأرقام، نكتشف معجزة مبنية على عرق الفقراء، وديون متراكمة، واعتماد شبه كامل على الأسواق الخارجية.  خلف أبراج النسيج وموانئ التصدير، يعيش ملايين العمال تحت خط الكفاف، يعملون بأجور مجحفة في بيئة تُعيد إنتاج الاستغلال. إنه اقتصاد الخياطة: سريع النمو، لكنه هش، وتابع، ومفصول عن حاجات الشعب. معجزة بنغلاديش إذًا، ليست معجزة وطن، بل معجزة شركات.

مصر: بين المشاريع العملاقة والفقر الجماعي

تبدو مصر في الخطاب الرسمي كأنها تنهض من ركام الماضي نحو مستقبل زاهر: عاصمة إدارية تلمع في الصحراء، وجسور تُشيَّد كل يوم، ومشاريع عملاقة تُعلن باستمرار. لكن خلف هذا الاستعراض المكسو بالإسمنت والدَّين، يئنّ واقع اجتماعي موجوع. الفقر يتسع، والطبقة الوسطى تتآكل، فيما تتزايد تبعية القرار الاقتصادي لصندوق النقد وشروطه القاسية.  تُدار الدولة بمنطق العسكر، ويُسحق الاقتصاد الحرّ لصالح احتكارات مغلقة. أما الأصوات الجائعة، فمكانها السجون. إنها تنمية تُبنى على أنقاض الإنسان، ومشاريع تُعرض على الشاشات، لا …

إندونيسيا: بين ديمقراطية الواجهة وتفقير الأعماق

تُقدَّم إندونيسيا اليوم كأنموذج ديمقراطي ناجح في جنوب شرق آسيا: انتخابات منتظمة، حرية تعبير، ونمو اقتصادي متواصل. لكن هذه الصورة اللامعة لا تصمد أمام التفحص النقدي، إذ تخفي خلفها منظومة اقتصادية موروثة من عهد سوهارتو، لم يُمسّ جوهرها رغم تحوّل الشكل السياسي.  فالسيادة الاقتصادية لا تزال مرهونة لصندوق النقد، والاستثمارات الأجنبية، وشركات التنقيب العابرة للحدود. الموارد تُستنزف، والثروات تُحوّل للخارج، فيما يبقى الشعب سجين فقر مزمن، يعاد إنتاجه تحت مسمى "الإصلاح". ديمقراطية بلا عدالة، …

ماليزيا: بين الرمزية الإسلامية والتبعية الاقتصادية

تُروَّج ماليزيا كثيرًا كنموذج حداثي ناجح في العالم الإسلامي، حيث تتقاطع العمارات الشاهقة مع الشعارات الإسلامية، وتتجاور الأسواق المتقدمة مع المظاهر الدينية. غير أن هذا التعايش الظاهري يخفي خلفه معادلة دقيقة: اقتصاد مفتوح حتى الذوبان في السوق العالمية، مقابل صورة استقرار مُمسرحة. منذ عقود، بُني النمو الماليزي على استثمارات أجنبية، وخصخصة مكثفة، وتكيّف كامل مع شروط العولمة، دون أن يُبنى أساس حقيقي لاقتصاد سيادي مستقل.

تركيا: بين السيادة الظاهرة والتبعية الخفية

تركيا تبدو في ظاهرها قصة نجاح: قوة عسكرية فاعلة، صناعات متقدمة، ونفوذ سياسي إقليمي متصاعد. غير أن هذه الصورة تخفي وراءها هشاشة اقتصادية متنامية، نسجت خيوطها تحت ستار من الاستقلال المزيّف. فمنذ بدايات المشروع التنموي في عهد العدالة والتنمية، ارتبط الصعود الاقتصادي التركي بتدفقات القروض والاستثمارات الغربية، لا ببنية إنتاج ذاتية.  ومع تعاقب موجات الخصخصة، تسرّبت مفاصل الدولة إلى قبضة رأس المال الأجنبي، فيما حافظت الدولة على مظهر السيادة الصلبة.

إيران: السيادة تحت الحصار

إيران لا تُشبه النماذج التقليدية للفقر في العالم الثالث. فهي ليست دولة منهوبة عبر الخصخصة، ولا واقعة تحت وصاية صندوق النقد، ولا مستباحة الموارد من شركات غربية. ومع ذلك، يعاني شعبها من أزمات معيشية خانقة، وتضخم مزمِن، وانهيار في القدرة الشرائية. ما يضع إيران في موقع استثنائي هو امتلاكها لقرارها السيادي من جهة، وتحوّل هذا القرار إلى عبء اقتصادي بفعل تداخله مع طموحات جيوسياسية مكلفة. إنها حالة معقّدة، حيث الفقر لا يُفرض من الخارج فقط، بل يُنتَج من الداخل أيضًا، عبر تحالف بين العقوبات وسوء الإدارة…

كوريا الشمالية: حين يصبح الفقر جزءًا من العقيدة

كوريا الشمالية ليست ضحية استعمار اقتصادي ولا تابعًا للنيوليبرالية، بل حالة نادرة من الفقر الذي صيغ كعقيدة سياسية. منذ انتهاء الحرب الكورية، اختارت بيونغ يانغ طوعًا طريق الانعزال، ورفعت شعار "الاعتماد على الذات" كدرع أيديولوجي ضد العالم. السيادة المطلقة، التي حلمت بها الأنظمة الأخرى، تحققت هنا، لكنها تحوّلت إلى قيد خانق بدلًا من أن تكون أداة تحرر.  لا خصخصة، لا تدخل أجنبي، لا شركات عابرة للحدود. فقط نظام مغلق بإحكام، جعل من البقاء السياسي هدفًا، ولو على حساب تجويع الشعب.

باكستان: دولة تملك أوراقها.. لكنها توظفها في تدمير ذاتها

حين نتأمل تجربة باكستان، لا نجد دولة منهوبة كما في النماذج الاستعمارية الحديثة، بل كيانًا اختار التوازن على الحبال الرفيعة بين القوى الكبرى. منذ نشأتها، لم تكن تابعًا مطلقًا ولا مستقلاً تمامًا، بل صانع تحالفات متناقضة. هذا التوازن أتاح لها هامش مناورة، لكنه كبّل قراراتها بسياسات متداخلة المصالح. الفقر في باكستان ليس نتاج احتلال مباشر، بل نتيجة تراكم خيارات قصيرة النظر، وتغوّل المؤسسة العسكرية على الدولة، وتضخم الديون التي أفرغت السيادة من مضمونها. إنها أزمة دولة تُدير ضعفها، لا تُعالجه

زيمبابوي: دولة انهارت بإرادتها

حين يُطرح الفقر في سياق المؤامرات الخارجية، يغفل كثيرون عن وجود دول فقّرت نفسها بيدها. ليست كل مآسي الجوع والتدهور نتاج استعمار أو تدخل أجنبي؛ أحيانًا يكون الانهيار وليد قرارات داخلية محضة.  زيمبابوي مثال فاقع على هذا النوع من السقوط: بلد امتلك الموارد، لكنه أدارها بعقلية شعارات لا تخطيط. حين يصبح الإصلاح الزراعي أداة لتصفية الخصوم بدلًا من دعم الزراعة، وحين تتحول السيادة إلى عزلة كارثية، يصبح الفقر نتيجة طبيعية لا مؤامرة.

فنزويلا: حينما يصير الفقر نتيجة صراع داخلي لا استعمار خارجي

ليست كل قصة فقر تُكتب بيد المستعمر، ولا كل انهيار نتيجة تفكيك خارجي ممنهج. فنزويلا تقدّم نموذجًا مختلفًا: دولة غنيّة نفطيًا، لم تُخصخص اقتصادها لصالح الشركات الأجنبية، بل انهارت من الداخل، تحت وطأة الصراع السياسي، وسوء الإدارة، والشعبوية المفرطة. منذ عهد تشافيز، ساد خطاب السيادة والعدالة الاجتماعية، لكن التطبيق أُسّس على ريع وحيد، بلا تنويع اقتصادي أو بنية صلبة. وعندما انهار سعر النفط، انهار معه كل شيء. فنزويلا لم تُهزم في معركة مع الخارج، بل نزفت في حرب داخلية على النموذج، كانت فيها السيادة ش…

موريشيوس: الجزيرة التي تحولت إلى شركة خدمات

في قلب المحيط الهندي، تبدو موريشيوس وكأنها قصة نجاح إفريقية نادرة: اقتصاد مستقر، مؤشرات نمو إيجابية، وسياحة مزدهرة. لكن هذا النموذج "الناجح" يخفي في طيّاته تنازلات سيادية ناعمة، لا تُرى في نشرات الأخبار. فالدولة التي تبدو مستقلة، تتحول تدريجيًا إلى شركة خدمات تُدار بقوانين السوق لا بإرادة الشعب. إنها رفاهية مصطنعة، تُخفي خلفها بنية اقتصادية هشّة، تعتمد على الخارج أكثر مما تبني في الداخل.

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج
🏠