الوعي التاريخي

كما تحررت أفغانستان… فلسطين تسير في نفس الطريق

تحررت أفغانستان حين اكتشفت أن القوة لا تُهزم بالقوة، بل بإسقاط سرديتها . وسيتحرر الفلسطيني حين يدرك العالم أن الاحتلال ليس جيشًا فقط، بل نظام وعيٍ تفرضه الإمبراطورية . الطريقان واحد: كلا الشعبين عاشا تحت الاحتلال باسم “الشرعية الدولية”، وقاوما في عالمٍ يرى حريته الخاصة حقًا مطلقًا، وحريتهم هم “تهديدًا للنظام”. لكن الزمن تغيّر، وها هو الغرب يواجه الحقيقة ذاتها التي واجهها في كابل: أن السيطرة على الشرق لم تعد قابلة للاستمرار . أولًا: تحرر أفغ…

أفغانستان وفلسطين: فشل الفهم قبل فشل الاحتلال

حين ينهزم المشروع الغربي في الشرق، فالهزيمة ليست في الميدان بل في العقل الذي خطّط للسيطرة . الاحتلال في فلسطين وأفغانستان انهزم لأنّه جاء من عقلٍ لم يفهم طبيعة المنطقة ولا منطقها الداخلي. كلا الاحتلالين ارتكب الخطيئة ذاتها: التعامل مع الجغرافيا كمساحةٍ خام، ومع الشعوب ككتلٍ قابلة لإعادة التشكيل ، متجاهلين أن الشرق ليس أرضًا تنتظر البناء، بل حضارة متجذّرة تستعصي على إعادة الصياغة من الخارج. أولًا: الاحتلال كقراءةٍ خاطئة للإنسان جوهر فشل الاحت…

الاحتلال بوصفه وظيفة: قراءة تحليلية في التجربتين الفلسطينية والأفغانية

ليست فلسطين وأفغانستان حادثتين منفصلتين في مسار التاريخ الحديث، بل تجلّيين لمشروعٍ واحدٍ بثوبين مختلفين . في الأولى كان الاحتلال استيطانًا دائمًا في قلب العالم العربي، وفي الثانية كان احتلالًا مؤقتًا لإعادة ضبط توازن آسيا. لكن جوهر الفعل واحد: فرض الوصاية على الشرق ومنع تشكّل استقلاله الحضاري . فالاحتلال في الحالتين لم يكن هدفًا عسكريًا بقدر ما كان أداة سياسية لإدارة العالم من المركز الغربي ، عبر ضبط الإقليم ومراقبة وعي شعوبه وتوجيه مسار نهضت…

أفغانستان: الدرس الذي لم يتعلمه الجبابرة

أثبتت أفغانستان – رغم فقرها وعزلتها – أن موازين القوة في هذا العالم ليست كما تُعرض في خرائط النفوذ أو نشرات الأخبار. لقد كانت الميدان الذي تهاوت فيه أوهام التفوق، حين عجزت الإمبراطوريات الحديثة عن كسر إرادة شعبٍ لم يملك من أدوات العصر سوى إيمانه بحقه في أن يكون سيد أرضه. سقوط أسطورة التفوق العسكري لم تستطع الجيوش المدججة بالتقنية والتمويل أن تُخضع بلادًا جرداء أنهكتها الحروب. انهارت نظريات “الحسم السريع” و”إعادة بناء الدول”، وتكشّف أن السلاح ل…

سُنّة التراجع: استحالة البقاء في القمّة.. ذروة القوة وبداية السقوط

في ميزان السنن الكونية، لا تعرف القمم الاستقرار. فكل ارتفاع يحمل في جوفه نواة الانحدار، وكل ذروة قوة هي – من حيث لا تدري – أول خطوة في مسار التراجع. إن التاريخ لا يثبت حضارة في موقع السيادة إلى الأبد، بل يوزّع المجد بين الأمم وفق حركة دورية أشبه بالتنفس الكوني: صعودٌ يليه خفوت، ثم أفول يعقبه ميلاد جديد. هذه ليست مصادفة، بل قانون إلهي يضبط حركة العمران البشري، حيث تتناوب الأمم على حمل أمانة القيادة كما تتناوب الفصول على الأرض. سنن الكون: القمة لح…

قانون التدافع.. كيف يعيد العالم توزيع القوة من جديد

التمهيد: التدافع كقانون حضاري منذ أن بدأ الإنسان ينظم حياته في جماعات، ظهر قانون غير معلن يحكم بقاء التوازن في التاريخ: قانون التدافع. إنه ذلك التفاعل المستمر بين القوى الذي يمنع الانفراد والجمود، ويُبقي الحركة البشرية في دورة لا تنتهي من التوازن والتصحيح. فحين تنفرد قوة بالحقيقة أو بالسلطة أو بالهيمنة، تنشأ قوى مقابلة تدفعها أو تحدّ منها، حتى لو اختلفت الأدوات: حربًا، أو فكرًا، أو اقتصادًا، أو ثقافةً. بهذا المعنى، التدافع ليس صدامًا بالضرورة،…

الصين: فسيفساء الأعراق خلف الواجهة الواحدة

يخيَّل للمتابع البعيد أن “الوجه الصيني” نمط واحد: ملامح مستديرة، عيون ضيقة، بشرة صفراء، وقامة قصيرة. هذه الصورة المألوفة في الإعلام ليست انعكاسًا للواقع، بل صناعة بصرية غربية عمرها قرن من الزمن، رسّخت في الذهن العالمي نموذجًا موحّدًا للشرقي “المتجانس”. لكن ما إن نقترب من الداخل الصيني حتى يتهاوى هذا التصوّر السطحي، فنجد أن الصين — رغم خطابها السياسي الموحد — ليست كتلة بشرية واحدة، بل فسيفساء من الأعراق والبيئات والتواريخ . تعدد الأعراق واتساع …

تفكيك الوعي - المحور الثالث: أدوات السيطرة: استخدام المسلمين في الحروب بالوكالة

وعي المسلمين المتأخر بحروب الوكالة.. الثمرة يقطفها الآخرون   منذ أفول الخلافة العثمانية، واندفاع القوى الاستعمارية لإعادة رسم خرائط العالم الإسلامي، صار الدين — لا سيما فكرة “الجهاد” — مادةً خامًا في مختبر السياسة العالمية. تحت شعارات التحرر ومقاومة الإلحاد أو الطغيان، خاض المسلمون معارك كبرى ظنّوها طريقًا إلى نهضة الأمة، فإذا بها تُفتح على مصائر مدمّرة صنعتها مراكز القوى في واشنطن ولندن وتل أبيب. لم يكن الخداع في المبدأ، بل في التوظيف؛ إذ تحوّل…

تفكيك الوعي - المحور الثاني: استخدام الحروب لتفكيك القوى الصاعدة: الحرب على الإرهاب

الحرب على الإرهاب.. كيف مهّدت واشنطن لصعود خصميها الأكبرين: الصين وروسيا   حين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية “الحرب على الإرهاب” في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، بدا المشهد وكأن العالم يدخل مرحلة جديدة من الهيمنة الأمريكية المطلقة. كان الخطاب مشحونًا بالرمزية: صراع بين “الحرية” و”الظلام”، بين “النظام العالمي الجديد” و”الفوضى”. لكن خلف هذا الغطاء الأخلاقي كانت تتشكل واحدة من أكثر المفارقات الاستراتيجية في التاريخ الحديث: فالحرب التي أرادت بها وا…

تفكيك الوعي - المحور الثاني: استخدام الحروب لتفكيك القوى الصاعدة: حرب الشيشان وأوكرانيا

حرب الشيشان وحرب أوكرانيا: وحدة الغرض واختلاف القناع   منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، لم تهدأ محاولات الغرب لاختراق المجال الحيوي الروسي وإعادة تشكيل محيطه وفق هندسة جيوسياسية تُضعف موسكو وتستنزف قدرتها على استعادة نفوذها الدولي. في هذا السياق، لم تكن حرب الشيشان في التسعينات سوى فصل مبكر من المشروع ذاته الذي تجلّى لاحقًا في حرب أوكرانيا: هدف واحد بأدوات مختلفة. ورغم تباين الواجهة الدينية والقومية والإعلامية بين الحربين، إلا أن الخيط الناظم لهما هو…

تفكيك الوعي - المحور الثاني: استخدام الحروب لتفكيك القوى الصاعدة: حرب الشيشان ضد روسيا

حرب الشيشان ضد روسيا: ما وراءها وما بعدَها   ليست حرب الشيشان مجرّد صراعٍ محليّ بين موسكو وجمهوريةٍ متمرّدة في القوقاز، بل هي فصلٌ من فصول الحرب العالمية الباردة الجديدة التي بدأت قبل أن تُعلَن رسميًا. فبين أنقاض غروزني، كانت تتقاطع خطوط الاستراتيجيا الأمريكية، والمصالح النفطية، والوصاية الدينية المموّلة من الخليج، مع إرثٍ روسيٍّ مثقلٍ بالانهيار السوفييتي. إنها الحرب التي كشفت كيف يمكن تحويل قضية تحرّرٍ محلية إلى أداةٍ في لعبة الأمم. الشيشان بعد…

تفكيك الوعي - المحور الأول: تفكيك الجذور التاريخية: تشويه الدولة العثمانية

تشويه الدولة العثمانية: الهندسة الغربية للوعي بعد التقسيم حين سقطت الدولة العثمانية، لم يكتفِ الغرب بإسقاط كيانٍ سياسيٍّ كان يقف سدًّا أمام أطماعه، بل شرع في تفكيك الذاكرة الجمعية نفسها. فبعد أن تم تقسيم الجغرافيا وفق خرائط سايكس–بيكو، بدأ تقسيم أخطر: تقسيم الوجدان والهوية. وُلدت من رحم الخراب دول قومية، وصيغت مناهج تعليم، وأُطلقت دعايات فكرية هدفها محو أي ارتباط نفسي أو تاريخي بفكرة "الدولة الجامعة". لقد تحوّل المشروع الغربي من احتل…

العلمانية العربية: مشروع الهيمنة الذي سقط من الداخل

حين تسللت العلمانية إلى العالم العربي، لم تدخل بوصفها مشروعًا لتحرير العقل كما ادّعى مروّجوها، بل جاءت كحصان طروادة جديد في معركة السيطرة على الوعي. لم تنشأ من حاجة داخلية ولا من تطور فكري طبيعي كما في التجربة الأوروبية، بل فُرضت من فوق — بالسلاح، والتعليم، والإدارة، والإعلام — لتفكيك الهوية الجامعة التي كانت تمثل آخر خطوط الدفاع ضد الهيمنة الخارجية. من هنا تبدأ قصة “العلمانية العربية”: مشروع بلا جذور، وأيديولوجيا بلا مجتمع. البدايات: من مشروع …

إندونيسيا: ثورة الجياع وهروب سوهارتو: حين انفجر الصمت الشعبي في وجه الإمبراطورية المالية

لم تكن ثورة الجياع في إندونيسيا عام 1998 مجرد اضطرابات شعبية ضد الغلاء، بل كانت لحظة تاريخية كسرت فيها الجماهير واحداً من أطول أنظمة الحكم في آسيا، وأسقطت الرجل الذي مثّل لثلاثة عقودٍ متواصلة وجه "الاستقرار المصنوع" على الطريقة الأمريكية. سوهارتو، الذي اعتُبر يوماً “بطل التنمية”، انتهى هارباً من شعبٍ جاع تحت نظامٍ كان يصدّر للغرب صورة “المعجزة الاقتصادية الآسيوية”. من الجنرال المنقذ إلى رجل المؤسسات الأجنبية تسلّم سوهارتو الحكم عام 1…

روسيا: من التدخل العسكري في سوريا إلى إعادة التموضع الجيوسياسي

تدخل روسيا في سوريا لم يكن مجرد دعم لنظام بشار الأسد، بل كان مسرحًا استراتيجيًا لإعادة تشكيل النفوذ الروسي في الشرق الأوسط . ومع سقوط النظام السابق، بدأت موسكو تحوّل سياساتها، من ضرب وتهجير السوريين إلى دعم الحكومة الجديدة المعارضة، في خطوة تحمل دلالات جيوسياسية عميقة. هذا التحول ليس انعكاسًا أخلاقيًا، بل قرار استراتيجي لتثبيت المصالح الروسية وسط صراع عالمي متصاعد مع أمريكا والغرب، مع الأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية والصعود الصيني. التدخل…

النيولبرالية: عقيدة السوق وبنية السيطرة الحديثة

في ظاهرها، تبدو النيولبرالية خطابًا اقتصاديًا يَعِدُ بالتحرر والانفتاح، لكنها في حقيقتها منظومة فكرية شاملة أعادت هندسة العالم على مقاس رأس المال، وجعلت السوق مركز الكون. فهي ليست نظرية في إدارة المال، بل مشروع لإعادة تشكيل الإنسان والدولة والمجتمع وفق منطق الربح، حيث تُختزل الحرية في حرية الشراء، وتُقاس الكفاءة بقدرة الفرد على البقاء في مضمار المنافسة. الخلفيات التاريخية: من انهيار الكينزية إلى ثورة رأس المال بعد الحرب العالمية الثانية، سادت …

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج