النقد الاجتماعي

المستشرقون المنصفون: الباحثون عن الحقيقة وسط ضباب الهيمنة

لم يكن جميع المستشرقين جنودًا في جيش الهيمنة، ولا موظفين في ديوان الاستعمار. فبين صفوف الباحثين الغربيين الذين اشتغلوا على الإسلام والعرب، برزت أسماء خرجت عن الخطّ العام للاستشراق الإمبريالي، وسعت إلى فهم الذات الإسلامية من داخلها، لا من فوقها. فمن هم هؤلاء المستشرقون "المنصفون"؟ وما معيار الإنصاف حين يكون البحث من خارج المنظومة الحضارية؟ وهل يمكن فعلًا أن نثق في رؤية غربية لديننا وتاريخنا وهويتنا؟

المستشرقون المتحيزون: حين تكتب السلطة على لسان الباحث

ليست كل معرفة تحريرًا، ولا كل باحثٍ رسولَ حقيقة. فقد كان الاستشراق - في وجهه الغالب - مشروعًا معرفيًا مسيّسًا، يكتب الشرق بلغة الغرب، ويُعرّف الإسلام على مقاس الهيمنة. كثيرٌ من المستشرقين لم يأتوا طلبًا للعلم، بل صاغوا "علمًا" يخدم مشروعًا سياسيًا أكبر: مشروع السيطرة. فمن هم المستشرقون المتحيزون؟ وما السمات التي جعلت من بحوثهم أدوات ناعمة للاستعمار؟ ولماذا لا تزال آثارهم حاضرة حتى اليوم في خطاب الإعلام والسياسة والتعليم الغربي؟

بدايات الانفتاح الغربي: حين خُدعت المرأة وانهارت الأسرة

شهد الغرب منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تحولات عميقة في بنية المجتمع، تحت لافتات التحرر والحداثة. بدأ ما يسمى بـ"الانفتاح المجتمعي" كحراك تحرري ضد الاستبداد الكنسي والقيود الطبقية، لكنه لم يلبث أن تحول إلى مشروع عميق لتفكيك الأسرة، وتغيير موقع المرأة من قلب المجتمع إلى سلعة تُعرض في الأسواق. لم يكن الانفتاح مجرد تطور اجتماعي، بل كان هندسة ثقافية ممنهجة، دفعت المرأة ثمنها غاليًا باسم الحرية، وتهاوت فيها الأسرة باسم الفردانية.

الحج بين قدسية الشعيرة واستغلال الأنظمة: عبادة مطوّقة من كل الجهات

في أصل تشريعه، فُرض الحج ليكون رحلة تحرّر: من التملك، من التمايز، من سيطرة الإنسان على الإنسان. فهو شعيرة تنقل المسلم من ضيق اليومي إلى سعة التجرّد، ومن هُوية المواطن إلى مقام العابد. لكن، شيئًا فشيئًا، تحوّل هذا المقام إلى ملف إداري، ثم إلى مورد اقتصادي، وأخيرًا إلى أداة ضبط ومراقبة في يد السلطات، سواء في دول الحجيج أو في الدولة المضيفة. لم يعد الحج، كما أُريد له، تجربة فردية مفتوحة لمن استطاع إليه سبيلًا، بل أصبح نظامًا محكومًا بالحصة، والموعد، والوسيط، والتكلفة، وموافقة الجهات المختصة.

من يملك الصوت؟ خرائط الإعلام بين السلطة والسوق والضحية

في زمن تتعدد فيه المنصات وتتشابك فيه الأصوات، أصبح السؤال الأخطر ليس "ما الذي يُقال؟"، بل "من يملك حق القول؟". في المشهد الإعلامي المعاصر، لا يكفي أن تكون الحقيقة دامغة لتُسمَع، بل لا بد أن تمرّ عبر خرائط النفوذ، وأنظمة التمويل، وغرف التحرير.وهكذا، بات الصوت الإعلامي أداة صراع، لا مجرد وسيلة نقل. وبات من الضروري أن نفكك هذه الخرائط، ونفهم الفوارق العميقة بين من يتحدث، ولمن، ولماذا.  فلنقف عند أربع قوى فاعلة في صناعة "الخطاب الإعلامي":  السلطة، السوق، الأفراد، والض…

الجاهل الصادق... والوعي الزائف: يخدم من؟

في هذا المقال التحليلي من مسار "الإعلام والتضليل – كيف يُصنع الوعي الزائف" ، نتناول ظاهرة خطيرة لكنها أقل وعيًا في النقاش العام: الجاهل الصادق. ذاك الذي لا يكذب، لكنه يضلّل بجهله، ويُستخدم – من حيث لا يشعر – لتكريس السرديات الزائفة أو تشتيت الانتباه عن جوهر الصراعات.  نفكك هذه الظاهرة من داخلها، دون تهكم أو تجريم، بل يكشف كيف يتحول الصدق غير المدرك إلى أداة فعالة لصناعة الوعي الزائف، وما الذي يجب على القارئ فعله لتفادي الانجراف خلف الأصوات المرتفعة دون فهم جذورها.

صوت الحرباء الملوّن .. أنا اليوم لستُ أنا بالأمس

في زمن تغيّرت فيه الأصوات قبل أن تتغيّر الوقائع، لم يعد الكذب هو الخطر الأكبر في الإعلام، بل القدرة على التناقض دون خجل . ترى المنصة ذاتها تبكي وتضحك، تسبّ وتمتدح، تُدين وتُبرّر، وكل ذلك في وقت قصير. لم يعد المعيار هو الحقيقة، بل اللحظة ، ومن يدفع ثمنها أو يُملي روايتها.  هكذا نشأ إعلام جديد لا يحترم ذاكرة المتلقي، بل يُراهن على نسيانه، ويُغيّر مواقفه كما تُغيّر الحرباء ألوانها، ثم يطلب التصفيق، لا الحساب. هذا المقال محاولة لتفكيك ظاهرة الإعلام المتحوّل : ذاك الصوت الذي يتبدّل مع كل موجة، وي…

الأرض المسطحة: لماذا عادت الفرضية إلى السطح؟

تتكرّر في عصرنا ظواهر فكرية غريبة تعيد إلى السطح قضايا tưởng أنها حُسمت منذ قرون، كما في حالة "نظرية الأرض المسطحة". فما الذي يدفع بعض الناس إلى التشكيك في أبجديات العلم الحديث؟ وهل هو مجرّد جهل أم أن وراءه خطابًا موجهًا؟ في ظل تصاعد الشك في المؤسسات وانهيار الثقة في النخب، يصبح العقل البشري أكثر استعدادًا لتبنّي السرديات المضادة، حتى ولو بدت عبثية. لكن السؤال الأهم ليس: هل الأرض مسطحة؟ بل: من أعاد هذه الفرضية إلى التداول؟ ولماذا؟ ومن المستفيد من نشر هذا النوع من الارتباك المعرفي؟

حين يُعاد تشكيل الوعي: كيف يُستغل الجهل لهدم القيم وزعزعة الرواسخ؟

في زمن التكدّس المعلوماتي، لم يعد الجهل يعني غياب المعرفة فحسب، بل أصبح يعني العجز عن التمييز بين الزائف والصحيح، بين الحقيقة وتضخيمها أو طمسها. وحين يتزاوج الجهل مع تدفّق موجه من المعلومات المضللة، تتحول المجتمعات إلى مسارح لهدم الرواسخ وتفكيك القيم، حيث تُغرس المفاهيم المعكوسة في العقول، لا عبر المنع، بل عبر الإغراق. فما الذي يحدث حين تُستخدم الأدوات المعرفية نفسها – كالإعلام، والتعليم، والخطاب العام – في ترسيخ الزيف بدل كشفه؟ وكيف يُستغل الجهل الشعبي في تمرير الانحرافات الكبرى وكأنها تطوّر …

العولمة: تبادل تجاري حقيقي أم فرضٌ للتجارة على الدول النامية؟

العولمة تُقدَّم لنا – إعلاميًا – بوصفها حركة تبادل حرّ للسلع والخدمات، ووسيلة لتقليص الفجوة بين الشمال والجنوب، وتحقيق التنوّع والانفتاح الثقافي. غير أن الصورة الظاهرة لا تكشف دومًا عن المضمر في العمق. فهل العولمة فعلًا تبادل تجاري متكافئ، أم أنها آلية لفرض شروط التجارة على الدول الأضعف باسم "حرية السوق"؟  وهل انخراط الدول النامية في منظومة العولمة يخدم تنميتها فعلًا، أم أنه يُعيد إنتاج تبعيتها بشكل مموّه؟

السجائر: الحل الفعّال وتعمّد تجاهله

في عالم تحكمه الصورة وتتنازع فيه السرديات..  لم تعد السجائر مجرد لفافة تبغ تُحرق في أطراف الأصابع، بل تحولت إلى رمز ثقافي، وأداة صراع بين جهتين: جهة تروّج لها كعلامة على التحرر والرجولة والتمرد، وأخرى تحذر منها كقاتل صامت يفتك بالبشر دون ضجيج. وبين هذا وذاك، يقف الإنسان المستهلك حائرًا:  أيّ الخطابين أصدق؟ وأيّ الروايتين تعكس الحقيقة؟  أم أن الحقيقة ذاتها باتت خاضعة للطلب والعرض؟

تحت خط الفقر.. وفوق خط الغنى

حين تتبدّل القيم بين القاع والقمة في أرض بعيدة، لا تُرسم على خرائط الجغرافيا بل تُحفر على خرائط القلوب، عاشت فئتان من الناس في عالمين لا يلتقيان. بينهما خطّ غير مرئي، لكنه كان كالسيف القاطع. أسموه "الخط الفاصل" . من الجهة السفلى، عاش قوم السُفليّين ، تحت ما سمّاه الحكماء "خط الفقر". لا يملكون كثيرًا، لكنّهم عرفوا قيمة القليل. الخبز عندهم وليمة، والكلمة الطيبة رأس مال. إذا ضحك أحدهم، ضحكت القلوب من حوله، لأنهم يعرفون أن الضحك في القاع لا يُهدى إلا بعد وجع.

بين الآلة والروح: مقارنة نقدية في نماذج التقدم الحضاري

تتسابق الأمم نحو قمة المؤشرات الصناعية والتكنولوجية، وتُرفع شعارات النجاح دون توقف. لكن خلف بريق الإنجازات، يبرز سؤال يتوارى في الظل: ما الذي خسرناه لنربح كل هذا؟ ويغدو السؤال الأعمق ليس: "من سبق؟" بل: "من بقي إنسانًا؟".  هذه المقالة ليست استعراضًا لأرقام النمو والتفوق، بل رحلة تحليلية نقدية في عمق النماذج الحضارية المعاصرة، من اليابان إلى أمريكا، تكشف الوجه الآخر للتقدّم: حيث لا يُقاس النجاح بما تحقق فقط، بل بما فُقد في الطريق - الروح، المعنى، والإنسان.

اليابان : تفوقت في صناعة الآلة.. حتى صنعت من الإنسان آلة

لم يكن النجاح الياباني محض معجزة اقتصادية كما يصوّر الإعلام، بل كان ثمرة تصميم جماعي صارم حوّل المجتمع إلى ماكينة متقنة الأداء. غير أن هذا "النموذج" الذي طالما تغنّى به العالم، أخفى في ثناياه معاناة بشرية صامتة، ودفَع ثمنَه الإنسان الياباني من صحّته النفسية واجتماعه البشري، بل من إنسانيته ذاتها. كيف يمكن لأمة أن تصنع الروبوتات والقطارات الأسرع في العالم، وتعجز عن بناء علاقات إنسانية حقيقية داخل بيوتها؟ يتصدّر اليابانيون مؤشرات التقنية والانضباط، ويتصدّرون أيضًا مؤشرات الاكتئاب والان…

حين اختُزلت الهوية في الزيّ واللغة: اغتراب الذات في قوالب قومية جامدة

في زمن الاغتراب الجماعي، كثيرون يتشبثون بخرقة ثوب أو نغمة لسان، ويظنون أنهم قد أمسكوا بجوهر الهوية. تتحول العمامة إلى شعار، والعباءة إلى برهان، واللغة إلى حصن عاطفي يُخفي خواء الوعي. لكن، هل تكفي الثياب لتعريف الإنسان؟ هل تنقذنا الألفاظ من سؤال "من نحن؟" حين نكون بلا مشروع، بلا قيم، بلا عمق حضاري حقيقي؟ هذا المقال يتأمل نقديًا في كيف تم اختزال الهوية إلى رموز سطحية، تُستعرض في المهرجانات، وتُرفع في المناسبات، بينما يغيب المعنى الحقيقي للانتماء.

سلسلة: خرائط التفقير: حين تُدار الدول كحقول موارد

حين يُطرح الفقر في النقاشات الدولية، يُقدَّم غالبًا كواقع طبيعي أو نتيجة سوء إدارة داخلية. لكن النظرة التحليلية تُظهر أن الفقر - في كثير من حالاته - ليس قدرًا، بل نتيجة هندسة مقصودة . بعض الدول لم تُفقر لأنها فشلت، بل فُقِّرت لأنها نجحت أكثر مما ينبغي. وبعضها الآخر حُدِّد له سلفًا دور وظيفي: أن يبقى مستودعًا للثروات، لا شريكًا في استثمارها. في هذه السلسلة، نكشف خريطة الدول التي لم تُترك لتفشل، بل صُمّمت لتفشل .

التعليم المدرسي: من الطفولة المقيّدة إلى البطالة المؤجلة

قد يبدو الصف الدراسي مكانًا بريئًا، محايدًا، مهمته النبيلة هي تثقيف الأطفال وتحضيرهم للحياة. لكن لو تأملنا بعمق في بنيته وآلياته وأسئلته المسكوت عنها، لاكتشفنا أن المدرسة ليست دائمًا كما تُصوَّر لنا. إنها ليست مجرد مكان لتلقين المعرفة، بل مصنع خفيّ للهوية والانضباط والطاعة، في مشروع طويل الأمد لإنتاج "مواطن صالح"... وفق تعريف السلطة لا وفق تعريف الحقيقة. منذ أن يجلس الطفل على المقعد، يبدأ مشروع تشكيله. عليه أن يصمت، أن لا يسأل كثيرًا، أن يعيد ما يُلقَّن له، أن لا يتجاوز حدود الكتاب، …

السكن تحت الجسور: حياة دائمة في ظل الخرسانة

في قلب المدن الكبرى، حيث تعلو الأبراج وتزدحم الشوارع بالسيارات، يستقر بشرٌ اتخذوا من الجسور مأوى دائمًا، ليس لليلة أو أسبوع، بل لسنوات.  لا نتحدث هنا عن مشردين عابرين، بل عن بشر كوّنوا حياة كاملة تحت الخرسانة، بأسقف إسمنتية مفتوحة على العدم، يطبخون، ينامون، ويتناسلون على هامش حضارة تُفاخر بتقدّمها.  فما الذي يدفع إنسانًا إلى الاستقرار تحت جسر؟ وما الذي يمنع كل هذا التقدم من إيجاد حل؟ ولماذا يبدو هذا المشهد طبيعيًا في كثير من المدن العربية والعالمية؟

سُكان المقابر: الأحياء في مدن الأموات

أحد أقسى وجوه التناقض الحضري في عالم اليوم. أن تجد إنسانًا حيًّا يعيش وسط قبور الموتى، ليس مشهدًا من رواية سوداوية، بل واقعٌ قائمٌ في مدن كبرى، من القاهرة إلى مانيلا، يحمل دلالات عميقة عن الظلم الطبقي، والفشل التنموي، وربما السياسات المقصودة في بعض الأحيان لإعادة إنتاج البؤس. في هذا المقال سنُحلل الظاهرة من زوايا متداخلة: هل هو إهمال عفوي؟ أم تدبير مستمر لإبقاء طبقات مسحوقة دون أمل في الخلاص؟ سنعرض النماذج، ونقرأ ما وراء الصورة.

التهام الذات: ثقافة التحدي في الأكل على المنصات الاجتماعية

في زمن المشاهد القصيرة والانفعالات السريعة، تُسحق القيم ببطون مفتوحة، وتُقدَّم الغرائز كأنها بطولات. ترى شابًا يلتهم ثلاثين قطعة دجاج حار أمام الكاميرا، وآخر يبتلع وجبة تكفي أسرة بأكملها، وطفلًا يُصفّ صحن فلفل حارق ليكسب "تحدي المليون مشاهدة".  هذا ليس طعامًا، بل مسرح عبثي، تُستعرض فيه الشهية كقوة خارقة، ويُحتفى فيه بالامتلاء حتى الاختناق كأعلى درجات الإنجاز.

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج
🏠