النقد الاجتماعي

العبث المنظم: السعادة الإلزامية: حين تتحوّل الإيجابية إلى قمع

في زمننا هذا، لم تعد السعادة خيارًا شخصيًا، بل واجبًا اجتماعيًا. عليك أن تبتسم. أن تُظهر امتنانك. أن تنشر طاقتك الإيجابية. وإن لم تفعل… فأنت مشكلة يجب علاجها. حين تُقمع المشاعر باسم "الإيجابية" لقد تحوّلت الإيجابية من حالة شعورية، إلى معيار سلوكي تُقاس به قيمة الإنسان . • إن كنت حزينًا: فأنت سلبي • إن كنت غاضبًا: فأنت سام • إن شكوت: فأنت مُحبَط وغير ناضج وهكذا يُمنع الألم من التعبير، ويُختزل الحزن إلى ضعف، وتُمسَخ المشاعر ال…

العبث المنظم: بين كامي ونتفليكس: من العبث الفلسفي إلى عبث الترفيه

في زمنٍ كان العبث سؤالًا فلسفيًّا عن جدوى الوجود، أصبح اليوم عرضًا تلفزيونيًّا متكررًا بلا نهاية. وبينما كان ألبير كامو يكتب: "لا يوجد سوى مشكلة فلسفية جديّة واحدة، هي الانتحار"، صار الإنسان الحديث يقتل وقته لا حياته، هاربًا من الأسئلة الكبرى إلى شاشة صغيرة تُفرغه من المعنى دون أن يشعر. تحوّلت فلسفة العبث من صرخة مقاومة في وجه اللاجدوى إلى استهلاكٍ مفرطٍ للّامعنى. فـ"ميرسول" في رواية  الغريب  كان يواجه الفراغ الكوني بعينين مف…

العبث المنظم: الأنا المنتفخة: حين يصبح التقدير الذاتي سلعةً للترويج

في عالمٍ مهووسٍ بالظهور، لم يعد "مَن أنا؟" سؤالًا وجوديًّا، بل شعارًا تسويقيًا. نعيش في عصر يُفرَض فيه على الإنسان أن يحب نفسه بصوت عالٍ، أن يُعلن عن ثقته، أن يُبرهن على أهميته، لا بالصدق… بل بالعرض. من احترام الذات إلى تسويق الذات لقد أُفرغ مفهوم التقدير الذاتي من جوهره، فلم يعد يعني المصالحة مع الذات، بل الترويج لها . • كن واثقًا! • أحبّ نفسك! • أنت مميز! عبارات تُكرَّر كتعويذات… لكنها لا تخرج من التأمل، بل من الحملات الإعلانية. في ه…

العبث المنظم: ثقافة الأداء: حين يتحوّل الإنسان إلى آلة إنتاج مشاعر

لم يعد يُطلب منك أن تكون ذاتك، بل أن  تؤدي دورًا . لم يعد المهم ما تشعر به، بل  كيف تعرضه . صار التعبير عن المشاعر في العالم المعاصر… صناعة. الذات المسرحية في المنصات الرقمية، لا يُكافأ الصدق، بل  الاحتراف في إظهار الصدق . كل انفعال يجب أن يكون مؤثرًا، بصريًا، مثيرًا، موجّهًا للجمهور. • الحزن يُخرج بنغمة معينة • الفرح يُقدَّم بابتسامة مدروسة • القلق يُبث على الهواء • وحتى البكاء… أصبح مهارة. وهكذا، ينشأ إنسان جديد: إنسان لا يشعر، بل يمثل أنه ي…

العبث المنظم: الوقت المستعار: كيف صرنا نعيش زمنًا لا نملكه؟

لم يعد الزمن ملكًا لصاحبه. نحن نعيش في زمنٍ لا نملكه، بل نستعيره من الآخرين، ونردّه ممزّقًا، بلا أثر، بلا معنى. الزمن المُؤجَّر في المنظومة المعاصرة، لا يُقاس الوقت بما تصنعه فيه، بل بما تدفعه مقابله. • ساعة العمل تُقاس بالدخل • ساعة الترفيه تُقاس بالاشتراك • ساعة الاستهلاك تُقاس بالإعلان • وساعة الفراغ تُحوَّل إلى “محتوى” لقد تحوّل الزمن إلى عملة ، لا إلى حياة. من الذي يملك وقتك؟ أغلب الناس اليوم لا يملكون وقتهم، حتى وهم أحرار: • تست…

العبث المنظم: العبث الناعم: كيف تُقتل الروح بلُطف؟

لم تعد الأنظمة المعاصرة تسحق الإنسان بالقوة، بل تُخدره بالراحة. لم تعد تمارس عليه العنف المباشر، بل تُغرقه في نعيمٍ مصطنع، حتى لا يعود يشعر بالحاجة إلى المقاومة. إنه العبث الناعم : قتل الروح، لا بالسياط، بل بالمخدّرات اللطيفة. حين يصبح الترف أداة إخضاع هل لاحظت أن أكثر من يشعرون بالفراغ هم أولئك الذين “يملكون كل شيء”؟ • راحة مفرطة • خدمات فورية • ترف بلا حدود • تسهيلات بلا جهد • متعة بلا غاية لكنهم مع ذلك، يشعرون بالضيق، بالملل، باللاج…

العبث المنظم: نهاية التأمل: كيف فقد الإنسان حقه في الصمت؟

كان التأمّل قديمًا فعلًا فطريًا، لا يحتاج إلى دورة تدريبية. أن تجلس مع ذاتك، تستمع إلى صمتك، تراقب الزمن وهو ينساب دون قلق، كان أمرًا طبيعيًا. أما اليوم، فقد صار التأمّل ترفًا. بل صار الصمت نفسه ممنوعًا . عصر الضجيج الدائم لم يعد الإنسان المعاصر يعرف معنى السكون. من لحظة استيقاظه حتى نومه، يُغرق نفسه بموجات لا تنقطع من: • الإشعارات • الأخبار • البودكاست • الموسيقى • الفيديوهات القصيرة • النصوص، الرسائل، التنبيهات… كل فراغ يُملأ، كل …

العبث المنظم: المعنى المؤجَّل: كيف يُخدَع الإنسان بالانتظار الدائم؟

يُقال لنا دائمًا: "اصبر... القادم أفضل". لكن هذا القادم لا يأتي. وكلما اقتربنا من غايةٍ ما، ظهرت أخرى أكثر بريقًا، أكثر مثالية، لكنها… أبعد . لقد دخلنا عصرًا لا يُمنح فيه الإنسان المعنى، بل يُؤجَّل له. وعود مؤجلة إلى ما لا نهاية منذ الطفولة، يُلقَّن الإنسان أن الحياة الحقيقية لم تبدأ بعد. • في المدرسة: "اصبر، الجامعة أفضل". • في الجامعة: "انتظر الوظيفة، هناك تبدأ الحياة". • في الوظيفة: "تحتاج إلى استقرا…

العبث المنظم: ما بعد الإنسان: هل نحن في طريقنا لفقدان المعنى كليًّا؟

لم تعد الأزمة اليوم في الإنسان ، بل في ما بعد الإنسان . لم يعد السؤال: كيف نحيا؟ بل: هل لا نزال بشرًا أصلًا؟ في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا، وتُستبدَل فيه القيم بالبيانات، والمعاني بالخوارزميات، دخلنا مرحلةً يُعاد فيها تعريف الإنسان نفسه، لا من الداخل... بل من الخارج. الذات المعاد تشكيلها في الماضي، كان الإنسان يبحث عن المعنى في داخله: في الضمير، في الروح، في التجربة، في الألم، في المحبة. أما اليوم، فالإنسان يُعاد تعريفه عبر ما يُظهره: صور…

العبث المنظم: التفاهة كمنظومة: من معالم الانحطاط إلى إدارة الحياة العامة

التفاهة ليست ظاهرة طارئة، بل أصبحت نظامًا متكاملًا. لم تعد سلوكًا فرديًّا أو صدفة عابرة، بل تحوّلت إلى بنية تُنتج وتُكرّر وتُكافَأ. إننا لا نعيش فقط في زمن التفاهة، بل في منظومة تُدار بها الحياة العامة على كل المستويات: الإعلام، السياسة، التعليم، والثقافة. في الماضي، كانت التفاهة تُحتَقر. اليوم، يتم تلميعها، وتعليبها، وتقديمها كأمر طبيعي، بل مرغوب. صعود الرداءة: كيف بدأت المنظومة؟ يصف الكاتب الكندي "آلان دونو" في كتابه الشهير &qu…

العبث المنظم: التمثيل بدل الحقيقة: عن وهم الظهور في حضارة الصورة

في عالمٍ باتت فيه الصورة تسبق الحقيقة، لم يعد الإنسان يسعى لأن يكون، بل لأن يبدو. لم يعد يُطلب منك أن تحيا حياة حقيقية، بل أن تُظهرها وكأنها كذلك. الواقع لم يختفِ، لكنه تراجع إلى الظل، وترك الساحة للتمثيل. لم نعد نعيش لأنفسنا، بل لجمهور غير مرئي يراقبنا من خلف الشاشات، نعرض عليه تفاصيلنا المعدّلة، ووجوهنا المصقولة، وحكاياتنا المُنتقاة بعناية... خوفًا من أن نبدو عاديين. ولادة الإنسان المُمثِّل لقد نشأ جيلٌ كامل لا يعرف الفرق بين أن يكون سعيد…

العبث المنظم: الوقت الضائع: كيف اختُطف الزمن من الإنسان؟

الزمن هو أثمن ما نملك، ومع ذلك لا نكاد نملك منه شيئًا. في زمنٍ كثرت فيه أدوات "توفير الوقت"، أصبح الإنسان أكثر انشغالًا من أي وقت مضى. والسؤال الحقيقي لم يعد: كيف نقضي وقتنا؟ بل: من الذي يقرّر كيف نقضيه؟ لقد اختُطف الزمن من الإنسان، لا على يد لصوص، بل على يد نظمٍ تعرف كيف تُعيد برمجة أولوياته، وتملأ يومه بالتفاهات، وتجعله يلهث خلف مهام لا تنتهي... بينما تمرّ الحياة دون أن يشعر بها. حين صار الزمن ملكًا للآلة في المجتمعات الحديثة، …

العبث المنظم: السعادة المستحيلة: كيف صارت حياتنا مشروعًا لا ينتهي؟

في زمنٍ غابت فيه البساطة، لم تعد السعادة شعورًا، بل خطة. ولم تعد راحةً مؤقتة، بل هدفًا بعيدًا يوجَّه إليه الإنسان كما يُوجَّه السهم نحو اللاشيء. السعادة في الحضارة الحديثة لم تعد حالة تُعاش، بل مشروعًا طويل الأمد ، محكومًا بالإعداد والتخطيط والتحديث والتقييم. وما لم تكن في طور "تحقيق السعادة"، فأنت متخاذل، أو فاشل، أو عالق في الخلف. وهم الوصول نُقال يوميًا: اسعَ لتكون أفضل. ابنِ نفسك. حقق ذاتك. لكن لا أحد يخبرنا متى يكفي. متى …

العبث المنظم: ثقافة الإنجاز: لماذا لا يكفي أن تكون حيًّا؟

في الماضي، كانت الحياة تُقاس بما تحمله من تجارب، مشاعر، علاقات، وأثر. أما في عصرنا، فهي تُقاس بما أنجزته. كم شهادة حصلت؟ كم مشروع أنهيت؟ كم خطوة مشيتها؟ كم ساعة نمت؟ حتى النوم صار يُحسب بالإنجاز. نحن في زمنٍ لم يعد يكفي فيه أن تكون حيًّا، بل عليك أن تبرّر حياتك بالأرقام، وتبرهن على وجودك بالنتائج. الركض المستمر لم يعد خيارًا، بل صار شرطًا للبقاء... النفسي والاجتماعي. ولادة الإنسان المنتج منذ الطفولة، يُلقّن الإنسان أن قيمته في ما يحققه. ي…

العبث المنظم: حين يصبح العمل عبودية: عن إله الوظيفة الحديث

لم تعد العبودية تُمارَس بالسياط، بل بالعقود، ولم يعد العبد يُباع ويُشترى، بل يوقّع بنفسه على التزامه بالولاء للنظام... مقابل راتب آخر الشهر. لقد نجحت الحضارة الحديثة في إعادة إنتاج العبودية، لكن تحت مسمّى آخر: الوظيفة. أُعيدت صياغة المعاني، فصار العمل هو القيمة، والوظيفة هي الهوية، والإنتاجية هي المعيار الوحيد للإنسان. ولم يعد يُسأل: من أنت؟ بل: ماذا تعمل؟ وما دخلك الشهري؟ وما مدى انشغالك؟ من العمل إلى الإله العمل، في صورته النقية، حاجة إنس…

الرجولة بين الفروسية القديمة والذكورة السامة

في التراث العربي، ارتبط مفهوم الرجولة دائمًا بـ"الفروسية" و"الشهامة"، صفة تجمع بين الشجاعة، والكرم، وحماية الضعيف، ونبل النفس. كانت الرجولة رمزًا للأخلاق النبيلة، والاحترام، والمسؤولية، وليس مجرد قوة جسدية أو سيطرة. لكن مع مرور الزمن وتغير الأوضاع الاجتماعية، ظهرت صورة أخرى لـ"الرجولة" في بعض المجتمعات، خاصة تحت تأثير التحولات الثقافية الحديثة وأشكال الهيمنة الذكورية، ما يُعرف اليوم بـ"الذكورة السامة" (To…

العادات الأصيلة: متى تتحول الأصالة إلى عُزلة حضارية؟

في ثقافتنا العربية، تُعتبر "الأصالة" قيمة سامية، يتفاخر بها الجميع كصلة وصل بين الحاضر والماضي، وكضمان لهوية متجذرة. العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال تمثل عند كثيرين رأس المال الثقافي الذي لا يجوز التفريط فيه أو تغييره. لكن هل كل ما يُسمى أصالة يبقى نافعًا؟ وهل من الممكن أن تتحول هذه الأصالة إلى جدار عازل أمام التجديد والتفاعل الحضاري ؟ متى تصبح الأصالة حائط صدّ يحول دون الانفتاح والتطور؟ الأصالة في المفهوم: حفظ الجذور لا حبس…

الستر والفضيحة: حين يُحمى الظالم باسم الحياء

كلمة "الستر" من الكلمات المقدّسة في الثقافة العربية والإسلامية. يُقال إن الله ستّير يحب الستر، ويُحث الناس على الستر على العيوب والزلات، ويُعتبر كشف ستر الآخرين ضربًا من الفضائح، وسقوطًا أخلاقيًا كبيرًا. لكن كما هو الحال في كثير من المفاهيم، فإن الستر الذي يُراد به خيرٌ في الأصل، صار يُستخدم أحيانًا كغطاءٍ للشر ، وكذريعةٍ لصمتٍ طويل أمام الجريمة، والخطيئة، والظلم… باسم الحياء. فمتى يصبح الستر فضيلة؟ ومتى يُصبح أداة لحماية الظالم وتك…

الحياء بين الفضيلة والكمامة الاجتماعية

الحياء من أسمى الفضائل التي عُرفت في الثقافة العربية والإسلامية، حتى قيل إن "الحياء لا يأتي إلا بخير"، واعتُبر خُلقًا يدل على الطهارة والرفعة والنقاء. لكن خلف هذا المعنى المضيء، تَطوّر استخدام كلمة "الحياء" في كثير من السياقات ليصبح أداة ضبط اجتماعي خانقة، تمنع التعبير، وتبرر الصمت، وتُكمم العقول، خاصة عند النساء والشباب. فهل ما يُسمّى "حياءً" هو فعلًا خلق نبيل؟ أم أنه في كثير من الأحيان  كمامة اجتماعية  تُفرض باسم…

الكرم: بين المروءة المثالية وواقع البخل المسكوت عنه : قراءة مع الجاحظ

في الثقافة العربية، يبدو الكرم وكأنه شيفرة جينية في الهوية، صفة لا يكاد يُذكر "العربي" إلا وتُربط به. تضرب الأمثال بحاتم الطائي، ويتفاخر الناس بمآدبهم ومجالسهم، وتُكرّس الضيافة في كل بيت على أنها من شيم النبل. لكن خلف هذا الستار اللامع، ثمّة سؤال جوهري يفرض نفسه: هل كان العرب فعلًا كرماء على نحو ما توارثته الأجيال؟ أم أن الكرم هنا ليس إلا صورة مثالية ، تخفي واقعًا أكثر تعقيدًا، وربما تناقضًا؟ الجاحظ يكسر الصورة في كتابه الشهير "…

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج
✉️ 📊 📄 📁 💡