فروق: من طهران إلى بيروت ودمشق: خريطة الانهيار الاستراتيجي لمحور إيران بعد حرب غزة

Wednesday, May 14, 2025

من طهران إلى بيروت ودمشق: خريطة الانهيار الاستراتيجي لمحور إيران بعد حرب غزة

مقابلة تحليلية حول اغتيال الرئيس الإيراني، استهداف حزب الله، رئاسة لبنان، وانقلاب المعادلة في سوريا. 
في قلب معركة غزة المشتعلة، تتوالى أحداث غير مسبوقة من طهران إلى بيروت ودمشق، تشير إلى زلزال استراتيجي يضرب محور المقاومة في عمقه. اغتيال الرئيس الإيراني، واستهداف قيادات الصف الأول في حزب الله، وتحريك ملف رئاسة لبنان بعد جمود طويل، وتسريبات عن تنسيق روسي لإخراج الأسد وطرد النفوذ الإيراني من سوريا، ليست مجرد وقائع متناثرة، بل تبدو كقطع متكاملة في مشهد يعاد ترتيبه بعناية. فهل دخلنا فعلاً في مرحلة تفكيك البنية الصلبة للمحور الإيراني؟ وهل ما يجري هو تدشين لشرق أوسط جديد تُعاد فيه كتابة قواعد اللعبة؟


سؤال: في ضوء التصعيد الجاري في غزة، برزت تطورات متلاحقة في عدة جبهات، أخطرها أنباء عن اغتيال الرئيس الإيراني. هل يمكن اعتبار هذا تحولًا في قواعد الاشتباك الإقليمي؟

جواب: بلا شك، اغتيال رئيس دولة بحجم إيران – سواء تم بشكل مباشر أو عبر عمليات تفجير أو إسقاط طائرة – ليس حدثًا عابرًا. إنه كسر لسقف الردع الذي حافظ عليه محور المقاومة طيلة السنوات الماضية. الرسالة واضحة: حين تعجز إسرائيل عن الحسم في غزة، تنتقل المعركة إلى استهداف الأطراف الداعمة للمقاومة، وأولهم طهران. هذا التحول لا يعني فقط الضرب في العمق، بل يعكس حربًا نفسية مدروسة تهدف إلى تفكيك شبكة الدعم المعنوي والسياسي والميداني لحماس والجهاد الإسلامي.


سؤال: في السياق ذاته، استهدفت إسرائيل شخصيات من الصف الأول في حزب الله. هل هو تمهيد لحرب شاملة أم جزء من معركة استنزاف؟

جواب: الاستهداف النوعي لقيادات حزب الله لا يمكن فصله عن سياق "المعركة على البيئة الحاضنة". إسرائيل تدرك أن ضرب البنية الصلبة للحزب – ميدانيًا وقياديًا – قد يفقده توازنه في الداخل اللبناني ويُربكه سياسيًا. لكنها أيضًا تخاطر؛ فالحزب قد يرى في هذا التصعيد سببًا كافيًا للانتقال من معادلة الرد المحدود إلى الحرب الشاملة. ولأن الحزب يتحرك ضمن تنسيق كامل مع طهران، فإن ردّه سيعتمد على ما إذا كانت إيران قد حسمت أمرها في فتح جبهة شمالية، أو قررت الاحتواء حتى إشعار آخر.


سؤال: بالتزامن مع ذلك، يُحرَّك ملف رئاسة لبنان بعد أكثر من عام ونصف من الفراغ. ما العلاقة بين تنصيب رئيس جديد وهذه التوترات؟

جواب: توقيت تحريك ملف الرئاسة ليس بريئًا. الحديث عن توافق على رئيس جديد في هذه اللحظة الحساسة يوحي بأن لبنان دخل فعليًا مسرح الصراع الإقليمي. إما أن القوى الدولية والإقليمية تدفع نحو تنصيب رئيس قد يكون قادرًا على ضبط أداء حزب الله واحتوائه سياسيًا، أو أن الحزب يسعى لتثبيت غطاء رسمي قبل الدخول في مواجهة أوسع. في الحالتين، الرئاسة اللبنانية لم تعد ملفًا داخليًا بل بندًا تفاوضيًا ضمن معركة الإقليم.


سؤال: المعلومات المسربة حول تسهيل روسيا لهروب الأسد أو دفعها لطرد إيران من سوريا تُعد مفاجئة. ما قراءتك لها؟

جواب: إذا صحّت هذه المعطيات، فنحن أمام لحظة فارقة في تاريخ التحالفات الإقليمية. روسيا، التي كانت الحليف العسكري الأول للأسد، قد تكون بصدد إعادة تموضع استراتيجي بعيدًا عن إيران، خاصة إن كانت تسويات ما بعد حرب غزة تتطلب إضعاف بيئة المقاومة الممتدة من طهران إلى بيروت. خروج الأسد أو تحجيمه سياسيًا، مع إقصاء النفوذ الإيراني من سوريا، سيُشكل طعنة خلفية لحزب الله، ويجعل من الجبهة الشرقية مصدر قلق بدلًا من كونها ظهيرًا داعمًا.


سؤال: ما الخيط الرابط بين كل هذه التطورات؟ هل هناك خطة شاملة لإعادة رسم المنطقة؟

جواب: الخيط الرابط هو إعادة هندسة توازن القوى في الإقليم. ما يحدث ليس مجموعة أحداث معزولة، بل أركان خطة استراتيجية كبرى. الحرب في غزة أجّجت رغبة الغرب في إنهاء تهديد المقاومة، ولكن بطريقة غير مباشرة، عبر ضرب بيئتها من الخارج: إيران، حزب الله، سوريا، ولبنان الرسمي. الهدف ليس فقط إخماد نار غزة، بل منع ولادة أي نموذج مقاوم قابل للحياة مستقبلًا.

ما نراه هو بداية مرحلة "الشرق الأوسط ما بعد المقاومة"، وفق التصور الإسرائيلي – الأمريكي – وربما بتواطؤ روسي هذه المرة.


خلاصة

أمام كل هذه المعطيات، من الصعب الحديث عن حرب محدودة أو تصعيد تكتيكي. نحن أمام تغيير استراتيجي شامل في بنية الصراع، قد يقلب التحالفات، ويطيح بأنظمة، ويعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي برمته. غزة لم تعد مجرد ساحة مواجهة، بل أصبحت المرآة التي تنعكس عليها كل معارك المنطقة.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .