السيطرة الممنهجة

الذكاء الاصطناعي والخصوصية: هل نحن على أبواب مراقبة شاملة؟

في زمن يتسارع فيه التطور التكنولوجي بوتيرة لم يسبق لها مثيل، يقف العالم أمام مفترق طرق خطير، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مزدوجة الوجه، تحمل في طياتها إمكانات هائلة للتحرير، وفي الوقت ذاته تهديدًا جادًا لخصوصية الأفراد وحرياتهم. لا تُعد تقنيات المراقبة الجديدة مجرد أدوات تقنية، بل هي آليات تتحكم في مصائر المجتمعات، وتعيد تشكيل مفاهيم الحرية والسلطة. تحولات في مفهوم الخصوصية: من الحق إلى التحدي الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الخصوصية، فليس الأمر…

المسافة بين السلاح والصوت: خنق وعي الشعوب عبر السيطرة على الأصوات

ليس فقط الرصاص والجيش من يُسكت الشعوب، بل يُخنق الوعي عبر آليات أعمق وأشد قسوة، تُصادر حق الكلام قبل أن يُقال، وتُقيد المساحات التي تُنتج بها الأفكار، حتى تُحكم السيطرة على ما يُسمع لا فقط على من يتكلم. 1. السلاح المادي مجرد واجهة: الحرب على الصوت أعمق وأخطر السيطرة العسكرية ترهيب بديهي، لكنها في زمننا هذا لم تعد كافية. الأكثر خطورة هو أن تُقتل الحقيقة بصمت لا يُسمع، وأن يُمحى الوعي عبر التعتيم، الإقصاء، والتشويش . عندما تُحاصر أصوات المعارض…

استعراب العقول: كيف تحولت الهيمنة العسكرية إلى استعمار ثقافي مهيمن؟

لم يعد الاستعمار العسكري المباشر الطريقة الوحيدة للاحتلال والسيطرة. فبعد فشل نماذج الهيمنة التقليدية، تحوّل الاستعمار إلى أكثر دهاءً وخفاءً : استعمار العقول، وهيمنة ناعمة لا تُرى ولكنها تُشعر بكل تفاصيل حياتنا. 1. من القواعد إلى الموجات: انتقال السيطرة من الأرض إلى الوعي عندما كانت القوى الاستعمارية تحتل بلدًا، كانت تظهر جيوشها، ترفع أعلامها، وتسقط حدودًا واضحة. اليوم، تبدو السيطرة غامضة. هيمنة ثقافية وإعلامية تَفرض مشاهدها على شاشاتنا، تُعيد…

متى يبدأ الاحتلال ومتى ينتهي؟: تفكيك مفهوم الاستعمار الناعم

في زمن تتداخل فيه الحدود بين القوة العسكرية والهيمنة الاقتصادية والثقافية، يصعب الفصل بين الاحتلال التقليدي والاحتلال الناعم، بين الاستعمار المباشر والاستعمار الخفي. فالمفهوم التقليدي للاحتلال، الذي يُرتبط بالجيوش والدبابات، صار اليوم جزءًا من منظومة أوسع وأكثر تعقيدًا. الاحتلال الناعم: أدوات السيطرة الخفية الاحتلال الناعم يعتمد على وسائل لا تتطلب بالضرورة وجود قوة عسكرية ميدانية واضحة، بل يسيطر عبر: الهيمنة الاقتصادية التي تجعل الدول المُ…

فلسطين بين الجغرافيا المقدسة والهندسة السياسية

منذ قرن مضى، لم تكن فلسطين مجرد قطعة أرض تتنازعها المشاريع الاستعمارية، بل كانت وما تزال رمزًا يتقاطع فيه المقدّس بالتاريخي، ويتنازع فيه الحق بالسطو، وتُخاض على أرضها معارك لا تتوقف بين "ما ينبغي أن يكون" و"ما يُراد له أن يكون". لكن خلف الصراعات السياسية والعسكرية، تتكشّف طبقة أعمق من الصراع: طبقة المعنى. ففلسطين ليست مجرد نزاع على الأرض، بل على المعنى ذاته : معنى الهوية، ومعنى السيادة، ومعنى العدالة. الجغرافيا المقدسة: ما …

حروب بلا جيوش: سلاح الوعي في القرن الحادي والعشرين

في عالم ما بعد الحداثة، لم تعد الحرب بحاجة إلى دبابات وطائرات لتفرض سطوتها، بل صارت تُخاض في العقول قبل أن تُخاض على الأرض. إنّ أبرز ما يميز الحروب الحديثة، خصوصًا في القرن الحادي والعشرين، هو تحوّلها إلى حروب "ناعمة"، تستهدف البنية الإدراكية للشعوب، وتشكل وعيهم الجمعي، وتعيد صياغة مفهوم "العدو" و"التهديد" من خلال الإعلام، والتعليم، والثقافة، والتكنولوجيا، بدلاً من الجيوش والاحتلال المباشر. التحول من الغزو العسكري …

غلاء الأسعار: حين تُستخدم الحاجة سلاحًا للسيطرة

أن غلاء الأسعار في كثير من الحالات ليس نتيجة طبيعية، بل أداة مُتعمّدة لإخضاع الشعوب وإعادة تشكيل الوعي الاقتصادي والاجتماعي. لم يعد غلاء الأسعار مجرّد ظاهرة اقتصادية ناتجة عن العرض والطلب، كما تدّعي الأدبيات التقليدية، بل أصبح في كثير من السياقات المعاصرة أداة استراتيجية لإعادة تشكيل المجتمعات. إنه ليس نتيجة عجز… بل في حالات كثيرة، خيار سياسي واقتصادي ممنهج . في هذا العالم، يُدار الغلاء لا ليُرفَع، بل ليُستثمَر : لإخضاع الإنسان، لإضعاف طبقته ا…

التفقير المُمنهج: حين يُنتج الفقر لا لعجز… بل لسيطرة

ليس كل فقر نتيجة عجز أو تقصير… فهناك فقر يُنتَج ويُدار ويُعاد إنتاجه عن قصد، لا بهدف تقليصه، بل بهدف استخدامه كأداة ضبط وتحكم. في عالم تتكاثر فيه الثروات كما تتسع فيه الفجوات، يصبح الفقر أداة سياسية لا حالة اقتصادية فحسب . هذه المقالة تفتح باب الأسئلة حول: لماذا يُترك الفقر يتكاثر؟ ومن يستفيد من وجوده؟ وكيف يُستخدم لإعادة تشكيل المجتمع؟ إنها ليست أزمة جيوب، بل أزمة وعي وموقع… ومشروع طويل الأمد. التفقير: من النتيجة إلى السياسة في الخطاب الع…

اقتصاد في قبضة الشركات: حين يُستعبَد المنتج ويُنفى من السوق

في عالم تتكاثر فيه الشعارات عن "السوق الحرة" و"فرص ريادة الأعمال"، يظنّ كثيرون أن كل من يمتلك الإرادة والعمل الجاد سيحجز له موضعًا في الاقتصاد الحديث. لكن الحقيقة أن الإنسان المنتج، في كثير من المجتمعات، لا يملك شيئًا سوى أدواته المتواضعة… أما مفاتيح السوق، فقد سُحبت منه منذ زمن. لقد صار من ينتج لا يتحكم، ومن يزرع لا يقرر، ومن يكدح لا يرى ثمار جهده، لأن الاقتصاد قد أُغلق على فئة محددة تتحكم بالمنافذ كما تتحكم بالأرباح. إنه…

هل الاستعمار انتهى فعلًا؟ عن الاستقلال المزيّف

يُقال إن الاستعمار انتهى، وإن الشعوب قد نالت حريتها، وإن الخرائط الراهنة ترسم دولًا ذات سيادة. لكن خلف هذا السرد الرسمي، يقف سؤال وجودي: هل حقًّا خرج المستعمِر؟ أم أنه غيّر بدلته فقط؟ كثيرٌ من شعوب الجنوب العالمي – من إفريقيا إلى آسيا – تنظر إلى استقلالها السياسي كعلامة تحرر، بينما تظل خيوط القرار السيادي والاقتصاد والثقافة مشدودة في يد الخارج، في ما يمكن تسميته بـ"الاستعمار الجديد" أو "الاستعمار المقنّع". من المدافع إلى الا…

ترامب والفوضى في لوس أنجلوس: هل نعيش لحظة التأسيس للاستبداد الأمريكي؟

في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو اشتعال الشوارع الأمريكية من جديد، بعد مداهمات الهجرة التي فجّرت مواجهات في لوس أنجلوس ومدن كبرى، يمر الحدث على الإعلام الدولي كأنّه مجرد أزمة أمنية. غير أن ما يجري تحت السطح يتجاوز بكثير العناوين الظاهرة، ويشير إلى مشروع سياسي أعمق: تدشين مرحلة جديدة من النظام الأمريكي، تنقله من نموذج “الديمقراطية الليبرالية” إلى نموذج أكثر مركزية وسلطوية باسم الأمن القومي.  لقد أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نشر قوات ا…

الحلم العربي.. مشروع صمم ليكون مجرد حلم

لم يكن "الحلم العربي" مشروعًا حقيقيًّا بقدر ما كان صدى عاطفيًا لصراعات أُريد لها أن تظل في دائرة الحلم. فرغم ما بدا عليه من سمو في الخطاب ووحدة في الهدف، فقد تأسس على أرضية زلقة من التناقضات القومية، والتوظيف السياسي، والتخدير الإعلامي، حتى صار يُستدعى عند الحاجة كأداة تهييج وجداني، لا كبرنامج تحرر واقعي. وحدة مصطنعة أم استثمار في العاطفة؟ الخطابات التي رافقت سردية "الحلم العربي" لم تكن تنبع من واقع شعبي مشترك بقدر ما كانت …

قطيع الأغنام: الطاعة الآلية في مجتمعات مغسولة الدماغ

في المزرعة، ليست المشكلة في السور… بل في الأغنام التي لا تفكر في القفز. لا لأنها لا تقدر، بل لأنها تؤمن أن البقاء في القطيع... نجاة. حين تتحول الطاعة إلى عقيدة الغنم لا يعترض. لا يسأل. لا يناقش. يسير في الصف، يتبع الذي أمامه، وينتظر من يقرر له متى يأكل… ومتى يُذبح. في المجتمعات التي صُنعت لتطيع، تُغرس الطاعة منذ الطفولة على أنها فضيلة، ويُربّى الناس على أن التفكير خطر، وأن النقاش وقاحة. الغنم لا يولد غنمًا… بل يُربّى على ذلك ليس الإنسان غبي…

صناعة الخنازير الناطقة: كيف تُنتج السلطة أصواتًا تقمع كل صحوة؟

لم تعد السلطة تحتاج إلى شرطي في كل شارع، ولا إلى جلاّد في كل زنزانة. بل أصبحت تكتفي بشيء أذكى، أكثر تهذيبًا، أكثر خفّة... لكنها أكثر فتكًا. إنها الخنازير الناطقة .  مخلوقات بشرية تم تصنيعها بعناية في مصانع السلطة: تأكل من علف النظام، وتنطق باسمه، وتهاجم كل من تسوّل له نفسه أن يسأل، أو يشك، أو يرفع رأسه. لا تفكر، لكنها تتكلم. لا تعترض، لكنها تهاجم من يعترض. الترويض الناطق: حين يُصبح القمع بلسان مدني هؤلاء لا يلبسون بزات عسكرية، ولا يظهرون عل…

الأرض المسطحة: لماذا عادت الفرضية إلى السطح؟

تتكرّر في عصرنا ظواهر فكرية غريبة تعيد إلى السطح قضايا tưởng أنها حُسمت منذ قرون، كما في حالة "نظرية الأرض المسطحة". فما الذي يدفع بعض الناس إلى التشكيك في أبجديات العلم الحديث؟ وهل هو مجرّد جهل أم أن وراءه خطابًا موجهًا؟ في ظل تصاعد الشك في المؤسسات وانهيار الثقة في النخب، يصبح العقل البشري أكثر استعدادًا لتبنّي السرديات المضادة، حتى ولو بدت عبثية. لكن السؤال الأهم ليس: هل الأرض مسطحة؟ بل: من أعاد هذه الفرضية إلى التداول؟ ولماذا؟ وم…

السجائر: الحل الفعّال وتعمّد تجاهله

في عالم تحكمه الصورة وتتنازع فيه السرديات..  لم تعد السجائر مجرد لفافة تبغ تُحرق في أطراف الأصابع، بل تحولت إلى رمز ثقافي، وأداة صراع بين جهتين: جهة تروّج لها كعلامة على التحرر والرجولة والتمرد، وأخرى تحذر منها كقاتل صامت يفتك بالبشر دون ضجيج. وبين هذا وذاك، يقف الإنسان المستهلك حائرًا:  أيّ الخطابين أصدق؟ وأيّ الروايتين تعكس الحقيقة؟  أم أن الحقيقة ذاتها باتت خاضعة للطلب والعرض؟

نيبال: دولة فقيرة... لم تُنهب بل تاهت

تبدو نيبال على خريطة العالم كخط جبلي صغير بين عملاقين: الهند والصين. ومع ذلك، فإن فقرها العميق لا يعود لموقعها الجغرافي فقط، بل لتراكم من العوامل البنيوية، والتاريخية، والسياسية، جعلها دولة بلا مشروع، ولا هدف، ولا رافعة سيادية حقيقية. هي ليست "منجمًا مستنزَفًا"، ولا "جنة سياحية مباعة"، ولا حتى دولة ذات موارد منهوبة. إنها ببساطة دولة  تاهت في الفراغ الجيوسياسي، والجمود الداخلي، والتخبط الاقتصادي.

نيجيريا: نفط غزير، فقر غائر

رغم أنها تسبح على بحر من النفط، تغرق نيجيريا في بحر من الفقر، والفساد، والانهيار.  تُعدّ أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، وتاسع أكبر مصدر للنفط في العالم، ومع ذلك يعيش معظم سكانها بلا كهرباء مستقرة، ولا مياه نظيفة، ولا خدمات تعليم أو صحة تليق بمواردها.  النفط الذي كان يُفترض أن يكون رافعة تنموية، تحوّل إلى لعنة هيكلية، تُغذي النخب الفاسدة، وتُفقِر الشعب.  شركات أجنبية تدير الثروة، وصندوق النقد يحدد السياسات، فيما تُغذى الصراعات الطائفية كأدا…

بنغلاديش: بين الطفرة النسيجية والبؤس الإنساني

تُقدَّم بنغلاديش في الخطاب الاقتصادي العالمي كقصة نجاح مدهشة: بلد فقير سابقًا يتحوّل إلى مصنع عالمي للملابس، ويحقق معدلات نمو لافتة. لكن حين نزيح الستار عن الأرقام، نكتشف معجزة مبنية على عرق الفقراء، وديون متراكمة، واعتماد شبه كامل على الأسواق الخارجية.  خلف أبراج النسيج وموانئ التصدير، يعيش ملايين العمال تحت خط الكفاف، يعملون بأجور مجحفة في بيئة تُعيد إنتاج الاستغلال. إنه اقتصاد الخياطة: سريع النمو، لكنه هش، وتابع، ومفصول عن حاجات الشعب. معجزة …

مصر: بين المشاريع العملاقة والفقر الجماعي

تبدو مصر في الخطاب الرسمي كأنها تنهض من ركام الماضي نحو مستقبل زاهر: عاصمة إدارية تلمع في الصحراء، وجسور تُشيَّد كل يوم، ومشاريع عملاقة تُعلن باستمرار. لكن خلف هذا الاستعراض المكسو بالإسمنت والدَّين، يئنّ واقع اجتماعي موجوع. الفقر يتسع، والطبقة الوسطى تتآكل، فيما تتزايد تبعية القرار الاقتصادي لصندوق النقد وشروطه القاسية.  تُدار الدولة بمنطق العسكر، ويُسحق الاقتصاد الحرّ لصالح احتكارات مغلقة. أما الأصوات الجائعة، فمكانها السجون. إنها تنمية تُبنى …

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج