
المعيار كسلاح اقتصادي
المعايير الصناعية والطبية ليست مجرد تعليمات فنية، بل هي بوابة الدخول إلى السوق العالمي. من لا يلتزم بها، يتم استبعاده تلقائيًا.
- مثلًا، شركات الأجهزة الطبية الصغيرة في آسيا أو إفريقيا قد تُمنع من التصدير لمجرد أن شهادات اعتمادها لا تتطابق مع المعايير الغربية.
- حتى إذا كانت المنتجات آمنة وفعّالة محليًا، فإن عدم الاعتراف الدولي يجعلها بلا قيمة في التجارة الخارجية.
إقصاء المنافس باسم "الجودة"
القوى المهيمنة تضع المعايير على مقاس صناعاتها وتقنياتها، بحيث تُصعب المنافسة على الآخرين.
- المعايير قد تفرض مواد أو مكونات متوفرة فقط في الأسواق الغربية.
- قد تتطلب تقنيات أو خطوط إنتاج باهظة الثمن لا تستطيع الدول النامية تحمّل تكلفتها.
الطب بين العلم والسيطرة
المجال الطبي مثال صارخ على هذه الظاهرة.
- الغرب يرفض الاعتراف بالعديد من العلاجات التقليدية، مثل الطب الصيني أو الهندي، رغم فعالية بعضها المثبتة عبر قرون.
- السبب ليس دائمًا علميًا، بل اقتصاديًا: الاعتراف بها يعني فتح السوق أمام منافسين جدد خارج دائرة الشركات الدوائية الكبرى.
منظمة المعايير الدولية: حياد أم نفوذ؟
رغم أن مؤسسات مثل ISO أو FDA تقدم نفسها كجهات محايدة، إلا أن تأثير القوى الكبرى فيها واضح.
- الدول ذات النفوذ الأكبر اقتصاديًا وسياسيًا هي التي تحدد شكل المعيار.
- الشركات العملاقة تموّل وتضغط لتحديد المواصفات بما يخدم مصالحها.
المعيار كأداة ثقافية أيضًا
فرض المعايير لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل أيضًا بـ صناعة ذهنية المستهلك العالمي.
- حين يُقال له إن المنتج "غير معتمد" أو "لا يتوافق مع المعايير"، يترسخ في وعيه أن كل ما هو غير غربي أدنى جودة أو أقل أمانًا.
- بذلك تتحول المعايير إلى أداة لترسيخ الهيمنة الثقافية بجانب الاقتصادية.
الخاتمة
المعايير الدولية قد تبدو بريئة، لكنها في كثير من الأحيان جزء من بنية الاقتصاد الجبري، حيث تُستخدم لحماية الأسواق الغربية من المنافسة، وإبقاء الدول الأخرى في موقع التابع. في هذا العالم، حتى "مقاس البرغي" أو "شكل الزجاجة" قد يكون قرارًا سياسيًا يحدد من يدخل السوق ومن يُستبعد منه.