
بل أن يُدار العبث بمنظومةٍ دقيقة، وبتقنياتٍ صارمة، وبتخطيطٍ محكم.
أن يُختزل الإنسان إلى وحدة استهلاك، وتُختزل الحياة إلى سلسلة مؤشرات،
ويُختزل المعنى إلى "تفاعل".
نحن لا نعيش في فوضى وجودية، بل في نظامٍ عبثيٍّ منظّم.
عالم لا يبحث عن الحقيقة، بل عن الصورة.
لا ينتصر للعمق، بل يُكافئ الضجيج.
حضارة صنعت أدوات هائلة، لكنها فقدت البوصلة، وأنتجت كائنًا يسير بسرعة… دون أن يعلم إلى أين.
هذه السلسلة ليست دعوة إلى التمرّد الأجوف، ولا إلى الرثاء الذاتي،
بل محاولة لتفكيك ما يبدو "طبيعيًا" وهو في جوهره مصطنع،
وللكشف عن الثقوب السوداء التي تبتلع المعنى في حياتنا اليومية،
عن الاغتراب، والتشظّي، والاستلاب، واللاجدوى… التي صارت نمطًا عامًا يُروّج له كتحرّر.
في كل مقال، نغوص في ظاهرة واحدة:
نحلّلها، نفتّت أوهامها، ونبحث عمّا وراء قشرتها اللامعة.
لعلّ هذا التفكيك، لا يُعيد تشكيل العالم،
لكنه قد يمنح القارئ وعيًا يُبطئ الاندفاع، ويحرّر النظر، ويوقظ السؤال.