فروق: ماجلان بين الرواية العربية والحقيقة: حين تتقاطع الأسطورة مع الوقائع

Wednesday, May 14, 2025

ماجلان بين الرواية العربية والحقيقة: حين تتقاطع الأسطورة مع الوقائع

في الكتب المدرسية العربية وسرديات الرحالة الكلاسيكيين، يظهر فرناندو ماجلان بوصفه المستكشف الجريء الذي "دار حول الأرض"، أو الذي "اكتشف العالم"، وقد يُوصف أحيانًا بأنه "أول من أبحر حول الكرة الأرضية". لكن خلف هذه العبارات الموروثة، تبرز فجوة بين الرواية المتداولة عربيًا، والحقيقة التاريخية المثبتة بوثائق وأسفار ومخطوطات أوروبية. في هذا المقال نعيد قراءة قصة ماجلان، مستعرضين أوجه التبسيط، والمبالغة، والانتقائية في السرد العربي، مقابل ما تكشفه الوقائع الفعلية.


ماجلان: المستكشف الذي لم يُكمل الرحلة
أكثر الأخطاء شيوعًا في السرد العربي هو وصف ماجلان بأنه أول من دار حول الأرض، بينما الحقيقة أن ماجلان قُتل في الفلبين عام 1521، قبل إتمام الرحلة. من أكمل الإبحار حول الأرض هو خوان سباستيان إلكانو، قائد السفينة الوحيدة المتبقية من الأسطول الأصلي بعد وفاة ماجلان.


من هو ماجلان فعلًا؟
ولد فرناندو ماجلان في البرتغال، وبدأ خدمته في البحرية البرتغالية قبل أن ينتقل إلى الخدمة الإسبانية بعد خلاف مع ملك البرتغال. قاد حملة بحرية بأمر من الملك الإسباني شارل الخامس بحثًا عن طريق غربي إلى جزر التوابل (إندونيسيا حاليًا)، وليس بهدف "دوران الأرض" كما تروّج بعض الروايات.


الرواية العربية: ميراث الترجمة المشوّشة
معظم ما نعرفه عن ماجلان في السياق العربي جاء من ترجمات غير دقيقة أو موجهة من المصادر الأوروبية، أو من تبسيط المناهج التعليمية التي ركزت على "الإنجاز" لا على ملابساته. غُيِّب السياق الاستعماري للحملة، مثل العنف ضد الشعوب المحلية، ومحاولة التنصير القسري، والصراعات التي نشأت مع زعماء الجزر.


الحقيقة الغائبة: ماجلان كمشروع استعماري
ماجلان لم يكن مجرد مستكشف، بل كان قائدًا لحملة استعمارية ممولة من التاج الإسباني، هدفها السيطرة على طرق التجارة البحرية والموارد الطبيعية. خلال رحلته، خاض معارك دامية ضد السكان الأصليين، وشارك في قتل المئات، بل إن مقتله كان نتيجة تدخله في نزاع داخلي بين زعماء الفلبين.


هل يستحق ماجلان كل هذا المجد؟
بينما يُقدَّم في بعض السرديات كبطل، إلا أن ماجلان في الحقيقة يُعدّ نموذجًا للمرحلة الاستعمارية الأوروبية التي مزجت بين الاكتشاف والطمع والغزو. وإذا كانت رحلته أسهمت في توسيع الجغرافيا المعروفة للعالم، فإنها في الوقت ذاته كانت بداية لقرون من الاستعمار والمعاناة لشعوب لم تُسأل عن رغبتها في استقبال "الزوار".


خاتمة: دعوة لإعادة قراءة التاريخ
ماجلان شخصية معقدة، ويستحق أن يُقرأ بوصفه رمزًا لعصر لا يمكن فصله عن الطموح الإمبريالي. إن إعادة قراءة تاريخه من منظور عربي ناقد، يعيد التوازن إلى سرد طالما كان أحادي الجانب. فليس كل من عبر المحيطات كان بطلاً، وليس كل من اكتشف أراضٍ جديدة كان يملك الحق في امتلاكها.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .