شخصيات محورية

رجال من زمن السقوط: عبد الحميد كشك: الشيخ الذي قال "لا" حين صمتت المنابر

لم يكن عبد الحميد كشك مجرد خطيب مسجد، بل كان ظاهرة صوتية معرفية مقاومة . رجلٌ فقد بصره مبكرًا، لكنه رأى الحقيقة بوضوح أذهل المبصرين. وقف على منبر مسجد "عين الحياة" في حيّ فقير بالقاهرة، ليصبح صوته الأكثر تأثيرًا في الشارع المصري والعربي طوال السبعينيات والثمانينيات . الصوت الذي خافته السلطة كان بإمكانه أن يعيش في رضا النظام… فقط لو سكت. لكنه اختار أن يكون صوت الناس لا بوق الدولة . تحدّث عن الظلم الاجتماعي، وتواطؤ العلماء، وقسوة السجو…

رجال من زمن السقوط: نجم الدين أربكان: المهندس الذي حاول أن يُصلح ما خرّبته العلمنة

حين يُذكر اسم نجم الدين أربكان، يُقال غالبًا إنه "الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا"، لكن هذا التوصيف – رغم صحته الجزئية – لا يكفي. لأن أربكان لم يكن فقط زعيم حزب، بل كان مشروعًا متكاملًا لإعادة بناء الدولة الحديثة على أُسس غير غربية. وُلد بعد سقوط الخلافة العثمانية بسنوات قليلة، في بيئةٍ تُربّى على أن الإسلام "خطر رجعي"، وعلى أن التقدّم لا يكون إلا بتقليد أوروبا. لكنه، بخلفيته العلمية والهندسية، أدرك أن المشكلة ليست في …

رجال من زمن السقوط: عدنان مندريس: الرجل الذي حاول أن يُعيد الأذان إلى الأمة

حين يُذكر اسم عدنان مندريس، لا يكاد يخطر في بال كثيرين سوى أنه "رئيس وزراء أُعدم". لكن الحقيقة أن هذا الرجل لم يُعدَم لأنه فاسد، بل لأنه أراد أن يُصلح ما فسد منذ سقوط الخلافة . لم يكن مجرد سياسي تركي، بل كان المحاولة الإسلامية الأولى لإعادة الروح إلى الجسد الجمهوري الذي صاغه أتاتورك بالسيف والقمع . من ريف الأناضول إلى كرسي الحكم وُلد مندريس في قلب الأناضول، وسط بيئة محافظة، ثم صعد إلى منصات السياسة من داخل الحزب الجمهوري، لكنه ما لبث…

أردوغان والعلمانية: من محاربة الأديان إلى شعار حرية الأديان

في قلب الساحة التركية، شهدت العلاقة بين الدين والدولة تحولات عميقة، لا سيما خلال حكم رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية. حيث شهدت تركيا انتقادات لنظام العلمانية الصارمة التي وضعت الأديان في إطار ضيق ومقيد، إلى محاولة إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والدين بما يراعي تعددية الأديان وحرية المعتقد. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الخطاب، بل تعبير عن صراع أيديولوجي عميق حول طبيعة الدولة الحديثة في بلد يحكمه إرث علماني قوي. العلمانية التركية: محارب…

رجال من زمن السقوط: أحمد ديدات: فارس الكلمة في زمن الارتباك العقائدي

(1918–2005): فارس المناظرات، استخدم أدوات الغرب لإثبات صدق الإسلام، وردّ افتراءات المبشّرين بحجج قاطعة وبأسلوب عصري. في زمن ساد فيه الهجوم على الإسلام، واحتكر فيه الغرب منابر الخطاب، ظهر أحمد ديدات ليقلب الطاولة، ويحوّل الهجوم إلى مناظرة، والدفاع إلى هجوم فكري متماسك. لم يكن عالمًا تقليديًا، بل مناظرًا فذًّا واجه رجال الكنيسة بمنطق الكتاب المقدس نفسه، وسلّح المسلمين بثقة الكلمة والحجة. أعاد للمسلمين وعيهم بقوة خطابهم، وعلّمهم كيف يقرؤون الآخر ب…

رجال من زمن السقوط: يوسف العظمة: الجنرال الذي قاتل كي لا تُؤسَّس الهزيمة

(1884–1920): وزير دفاع سوريا، واجه الغزو الفرنسي بلا توازن قوى، لكنه أسّس بدمه مبدأ المقاومة وعدم الاستسلام . في لحظة مفصلية من تاريخ الشام، حيث استُبدلت الخلافة بالانتداب، وقف يوسف العظمة موقفًا سيكتبه التاريخ لا بالحبر بل بالدم. لم يكن انتصاره عسكريًا، بل أخلاقيًا، حين اختار المواجهة أمام جيوش الاحتلال الفرنسي دفاعًا عن كرامة وطن لا يريد أن يُستباح دون مقاومة. لم يكن ساذجًا في حسابات القوة، بل واعيًا بأن الهزيمة أهون من الاستسلام، وأن موت الق…

رجال من زمن السقوط: عبد القادر الحسيني: وشهادة المعنى.. رصاصة لم تُسلَّم

(1907–1948): قائد ميداني ومثقف مقاوم، وحَّد بين الكفاح العسكري والبُعد الوطني في وجه الاحتلال الصهيوني. في قلب القدس، وعلى تخوم النكبة، نهض عبد القادر الحسيني  قائدًا لا يعرف المساومة، يجسّد وجع الأرض وكرامة الشعب في آنٍ معًا. لم يكن نضاله موسميًا، بل مسيرة وعي ومقاومة ضد المشروع الصهيوني الذي بدأ يُحاك مبكرًا في جسد فلسطين. حمل البندقية وهو يحمل همّ أمة تُسلَّم قطعةً قطعة، ورفض أن يتحوّل إلى مجرّد متفرج على ضياع الوطن. وفي معركة القسطل، خطّ بدم…

رجال من زمن السقوط: محمد أسد: المستشرق الذي أسلم… وفكّر

(1900–1992): مستشرقٌ يهودي اعتنق الإسلام، وجسّد التحول من عقلية الاستشراق إلى رسالة الإسلام، مترجمًا القرآن بلغة العصر، ومبشّرًا بفكرٍ يعانق الحرية والعقل. في زمنٍ كان فيه الاستشراق مرادفًا للهيمنة والتشويه، وأعين الغرب لا ترى في الإسلام سوى بقايا ماضٍ غابر، خرج صوتٌ فريد من قلب أوروبا، لا ليُفسّر الإسلام للغرب، بل ليُعيد لهم رؤية نفسه من خلال الإسلام. خرج ليعيد اكتشاف الشرق لا من خلال الأساطير، بل عبر  القرآن نفسه .  في رحلة فكرية وروحية امتدت …

رجال من زمن السقوط: علي عزت بيغوفيتش: المثقف الذي قاتل.. بالكلمة ثم بالسلاح ثم بالمعنى

(1925–2003): مفكرٌ رئيس، قاوم بالتنظير والفعل، وربط بين الإسلام والحرية والإنسان. في قلب أوروبا، وعلى تخوم حضارتين متصارعتين، بزغ علي عزت بيغوفيتش مفكرًا ورئيسًا، جمع بين عمق الفيلسوف وصلابة المجاهد. لم يكن إسلامه طقوسًا، بل مشروعًا حضاريًا يواجه الحداثة المادية دون أن ينكفئ عنها، ويستنهض الأمة من داخل روحها لا من قشورها. كتب عن الإسلام كـ"حضارة متفرّدة" تمزج بين الروح والعقل، وواجه السجون والمحن بثبات من يرى في المعاناة طريقًا للمعنى…

رجال من زمن السقوط: علي شريعتي: المثقف الذي كتب بالدم

(1933–1977): مفكر الثورة الإيرانية الأول، صاغ مشروعًا للتحرر الديني من الاستبداد والتشيّع الصفوي، ودعا إلى إسلامٍ ثوريّ حر. في زمن خنقت فيه العمائم صوت الحرية، وكمّمت فيه الحداثة جوهر الإنسان، خرج علي شريعتي بمشروع فكري ثوري، يسائل السلطة والدين معًا. لم يكن مفكرًا تقليديًا، بل مثقفًا عضويًا مزج بين تراث التشيع وروح التمرد، ليصوغ "التشيع العلوي" كمنهج للثورة لا للخضوع. تحدّى المؤسسة الدينية التي باركت الاستبداد، وفضح التشيع الصفوي الذ…

رجال من زمن السقوط: عبد الحميد بن باديس: المعلم الذي قاوم فرنسا بمدرسة

(1889–1940): أطلق ثورة فكرية ضد الاستعمار الثقافي، وردّ للشعب الجزائري لسانه وهويته ودينه. في زمنٍ حاول فيه الاستعمار طمس الهوية وسلخ الأمة عن دينها ولغتها، نهض عبد الحميد بن باديس ليكون صوتًا صافيًا للوعي والنهضة. لم يحمل سلاحًا، لكنه فجّر ثورة فكرية غيّرت ملامح الجزائر من الأعماق، فأسّس مشروعًا تربويًا إصلاحيًا استعاد به للجزائريين إسلامهم الحقيقي ولغتهم الأم وكرامتهم الوطنية. آمن بأن "الاستعمار لا يُقاوَم إلا بالشعب، والشعب لا يكون شعبً…

رجال من زمن السقوط: البشير الإبراهيمي: قاوم فرنسا… لا بالبندقية، بل بالكلمة التي تحرر العقل

(1893–1965): شريكُ ابن باديس في اليقظة، ومجددٌ أدبي دافع عن الإسلام والعربية والعقل النقدي في وجه التغريب. في زمن التجهيل الممنهج والاستعمار الثقافي، نهض البشير الإبراهيمي حاملًا القلم سلاحًا، والكلمة حصنًا منيعًا في وجه المسخ والفرنسة. لم يكن مجرد عالم لغة أو خطيب جامع، بل قائد نهضة فكرية ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أعاد من خلالها صياغة الوعي الوطني والديني للشعب الجزائري. آمن بأن تحرير الأوطان لا يكون إلا بتحرير العقول، فربّى أجيال…

رجال من زمن السقوط: محمد إقبال: أراد أن يُوقظ أمّة كاملة… فكتب شعرًا يهزّ الجبال

(1877–1938): شاعرٌ وفيلسوف، رسم ملامح الإنسان المسلم القادر على ارتياد آفاق الوجود دون خنوع. في زمن التيه الحضاري، حيث فقدت الأمة بوصلتها، بزغ محمد إقبال شاعرًا وفيلسوفًا، يسكب الحكمة في قصيدة، ويوقظ الروح بفكرة. لم يكن شعره ترفًا أدبيًا، بل نداءً يقظًا لبعث الإنسان المسلم من سباته، وإعادة تشكيل وعيه بذاته وموقعه في العالم. تحدّث عن "أنا" الفرد لا لتعظيمها، بل لتحريرها من التبعية والانكسار. آمن بأن الإسلام طاقة حضارية قادرة على صنع ال…

رجال من زمن السقوط: مالك بن نبي: حاول أن يفكّك "قابلية الاستعمار" داخلنا… فخذله الجميع

(1905–1973): من أوائل من شخّصوا قابلية الاستعمار فينا، ودعوا لبناء الإنسان أولًا. في زمن ما بعد الاستعمار، حين كانت الأمة تتخبط بين التبعية والضياع، خرج مالك بن نبي ليطرح السؤال الجوهري: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ لم يكن مفكرًا تقليديًا، بل مهندسًا حضاريًا شخّص عطب الأمة من داخلها، رافضًا نظرية المؤامرة كتبرير دائم. تحدّث عن "القابلية للاستعمار" لا كاتهام، بل كمرآة نقدية لتحفيز النهضة.  وبين تحليله للعمران والأفكار والمشكلات الح…

رجال من زمن السقوط: مراد هوفمان: حين اكتشف عقل أوروبي أن الإسلام هو البديل

(1931–2020): عقل ألماني نقدي، اعتنق الإسلام ونافح عنه بلغة الغرب، كاشفًا عمق المنظومة القرآنية وتحديها للفكر المادي. في قلب الحضارة الغربية، وبين دهاليز الدبلوماسية والسياسة، وجد مراد هوفمان في الإسلام جوابًا لأسئلة الإنسان الحديث. لم يكن دخوله في الإسلام مجرد تجربة روحية، بل تحوّلًا فكريًا عميقًا صاغه بعقل فيلسوف وقلم مفكر مطّلع على تناقضات الحضارة الغربية من داخلها. كدبلوماسي ألماني وسفير سابق، لم يتنصّل من خلفيته، بل استخدمها لعرض الإسلام بل…

رجال من زمن السقوط: سيد قطب: كتب وهو مقيد… فحرر أجيالًا كانت مقيدة دون أن تدري

(1906–1966): لم يكتب فكرًا دعويًا تقليديًا، بل أعاد تعريف المسلم ككائن تغييري في مواجهة الطاغوت. في زمن التذبذب بين التدين الشكلي والخنوع السياسي، يبرز اسم سيد قطب كعلامة فارقة في مسار الفكر الإسلامي الحديث. لم يكن كاتبًا عابرًا ولا منظّرًا عادياً، بل كان صوتًا صاخبًا في وجه الطغيان، دفع ثمن كلماته عنقًا مرفوعًا على المقصلة. تتقاطع حياته مع تحولات عميقة في الواقع العربي، حيث اصطدم المشروع الإسلامي الصاعد بجبروت الأنظمة القمعية. وبين ظلال القرآ…

رجال من زمن السقوط: رحمة الله الهندي: هزم القساوسة بالكلمة… وأربك مشروع التنصير البريطاني

(1857–1891): واجه التشويه الاستعماري للعقيدة بالحجة والبرهان، وكشف زيف الآخر على أرضه. في قلب الصراع العقدي بين الإسلام والمسيحية في الهند القرن التاسع عشر، برز رحمة الله الهندي كرمز للمواجهة الفكرية الهادئة والحاسمة. لم يحمل سيفًا، بل واجه التبشير الإنجليزي بالبراهين والمنطق، مدافعًا عن العقيدة الإسلامية بعقل راجح ولسان مبين.  كانت مناظرته الشهيرة مع القس فندر حدثًا مفصليًا، أظهر فيه هشاشة دعاوى الخصوم وقوة الحجة الإسلامية. ألف كتابه "إظه…

رجال من زمن السقوط: حسن البنّا: أراد أن يصنع الجيل القرآني الفريد… فأزعج كل العروش

(1906–1949): دعا، وربّى، وبنى، وصاغ ملامح مشروع شامل لنهضة الأمة من جذورها. في زمن التفكك بعد سقوط الخلافة وتسلّط الاحتلال، بزغ اسم حسن البنّا كمحاولة لإحياء المشروع الإسلامي من قلب المجتمع لا من هوامشه. أسّس جماعة الإخوان المسلمين لا لتكون حزبًا سياسيًا، بل حركة شاملة تستنهض الأمة بفكر جامع بين العقيدة والعمل. جمع في شخصه بين الداعية والمصلح والمنظّم، وسعى لبناء الفرد المسلم كأساس لنهضة شاملة.  لم يكن صراعه مع الأنظمة فقط صراع نفوذ، بل صدامًا …

رجال من زمن السقوط: عبد الله عزام: حين أصبح الجهاد فكرة لا تموت

(1941–1989): أعاد للجهاد معناه الرسالي، وربطه بالفكرة لا فقط بالسلاح. في زمن الجهاد المفرّغ من بصيرته، خرج عبد الله عزام ليعيد للفكرة معناها، وللبندقية هدفها. لم يكن مجرد مُحرّض على القتال، بل مُنظّرًا لرؤية جهادية تنطلق من واقع الأمة وتاريخها، وتطمح لتحرير إرادتها لا لحرق أوطانها. جمع بين العلم الشرعي والتجربة الميدانية، وساهم في إحياء روح الجهاد العالمي ضد الغزو السوفيتي في أفغانستان. لكن مشروعه لم يكن لحظة عابرة، بل محاولة لصياغة عقيدة مقاوم…

رجال من زمن السقوط: عز الدين القسام: الرجل الذي أطلق الرصاصة الأولى قبل أن تُولد الخريطة

(1882–1935): مات قبل ثورته، لكن اسمه صار بندقية لكل مقاوم في فلسطين. في زمن الانتداب والخذلان، ظهر عز الدين القسام لا كمجرد شيخ واعظ، بل كرمز للمقاومة المسلحة ذات البعد العقائدي. حمل بندقيته باسم الدين والكرامة، متحديًا الاستعمار البريطاني والزحف الصهيوني في آنٍ واحد. لم يكن حديثه عن الجهاد حماسة عابرة، بل رؤية نابعة من فهم عميق لفقه التحرر ومركزية فلسطين في الوعي الإسلامي. رفض أن يُحبس الدين في الزوايا، فأنزله إلى ميادين المواجهة. ومع استشهاد…

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج