معادلة الخنوع: لماذا تُمنع الشعوب من امتلاك أدوات الردع؟

في عالم تُهيمن عليه معادلات القوّة، تُحرص الدول الكبرى على أمرين: أن تظل لها اليد العليا عسكريًا، وأن تُجرّد الشعوب الطامحة للتحرّر من أي وسيلة يمكن أن تمنحها قدرة على الردع أو المقاومة. لا شيء يُرعب النظام العالمي أكثر من أن يمتلك شعبٌ ما قدرة تكنولوجية أو عسكرية خارجة عن الإشراف المباشر للمركز الغربي. وهنا تبدأ ماكينة المنع والحصار والتجريم.

اللافت أن من يملك القنابل النووية والطائرات الشبحية والصواريخ العابرة للقارات، هو ذاته من يفرض على الآخرين نزع السلاح، بدعوى "الاستقرار" و"منع الانتشار". لكن الحقيقة أن ما يُراد نزعُه ليس سلاحًا، بل الإرادة السياسية المستقلة، وما يُراد منعه ليس التصعيد، بل التحرّر.

الردع المسموح والردع المحرّم

في قاموس الهيمنة، لا يُقاس خطر السلاح بحجمه، بل بهوية حامله.
فإن كنت تابعًا، فلك أن تتسلّح وتستورد وتُطوّر كما تشاء.
أما إن كنت حرّ الإرادة، مستقلّ القرار، فإن أي مشروع دفاعي تُطلقه سيُعدّ تهديدًا للسلم العالمي.

ولذا نرى ازدواجيةً فاضحة في كيفية التعامل مع مشاريع التسلّح:

  • أنظمة قمعية تابعة تُغدق عليها صفقات الأسلحة الغربية بلا قيد ولا رقابة.
  • دول مستقلة تُحاصر لمجرد أنها تُطوّر طائرة مسيّرة محلية أو منظومة صواريخ دفاعية.
  • حركات مقاومة تُجرَّم وتُصنّف إرهابية لمجرد امتلاكها وسائل بسيطة للرد على العدوان.

ليست المسألة متعلقة بالأخلاق أو القوانين، بل بالتحكّم في موازين القوى.

تفكيك القدرة قبل تفكيك الإرادة

الاستعمار القديم كان يحتل الأرض ويفرض الإدارات. أما الاستعمار الحديث، فيفكّك البنية الدفاعية من الداخل، ويمنع أي مشروع إنتاج عسكري محلي، ويربط صيانة السلاح وتطويره بالخارج، بحيث تبقى الدولة عاجزة عن الرد دون إذن.

الهدف الحقيقي؟
ليس فقط منع الحرب، بل منع الكرامة.
منع الشعوب من أن تملك حتى القدرة على التهديد، أو التعبير عن سيادتها بموقف عسكري.
وهنا نكتشف أن الردع ليس مجرد تقنية، بل رمز سيادي تُحرَص القوى الكبرى على تجريده من أي قوة لا تخضع لها.

اتفاقيات الهيمنة: سُقوف مفروضة باسم "الأمن"

تُفرض على بعض الدول اتفاقيات ملزمة تُحدد عدد جنودها، أو مدى صواريخها، أو نوع معداتها. بينما تُترك دول أخرى تعبث كيفما شاءت. وما هذه الاتفاقيات إلا أدوات لضبط التوازن، لا لتحقيق السلام.

هذه الآلية لا تهدف إلى نزع السلاح من الجميع، بل إلى ضمان تفوق القوي وتجريد الضعيف. وما يُراد ضبطه فعليًا هو إرادة التحرّر، لا إمكانيات الهجوم.

كيف يُصنع الضعف المقصود؟

  • تُغلق أمام الشعوب أبواب التكنولوجيا العسكرية.
  • تُفرض قيود تصدير حتى على البرمجيات أو المحركات.
  • تُراقب الجامعات والمراكز البحثية بدعوى "مكافحة الانتشار".
  • وتُجرَّم أي محاولة للتصنيع المحلي على أنها خرق للقانون الدولي.

والنتيجة: عجز ممنهج يُفرض على الشعوب، كي تبقى خاضعة، غير قادرة على الرد، لا سياسيًا ولا عسكريًا.

خلاصة الفرق: بين أمن يُحكم بالسلاح، وأمن يُنتزع بالوصاية

الفرق بين ردع حقيقي وردع مزعوم، هو فيمن يملك القرار.
السلاح الذي يُستخدم لحماية قرار سيادي، هو جزء من منظومة التحرّر. أما السلاح الذي يُدار بالريموت من الخارج، فلا يصنع أمنًا، بل يُكرّس التبعية.

الحديث عن "منع السلاح" ليس حديث سلام، بل حديث وصاية. فالسلاح ليس هو المشكلة، بل الاستقلال.
وهكذا تُصاغ معادلة الخنوع: إمّا أن تبقى تابعًا مسلّحًا... أو حرًا أعزل.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال