إقتصاد الدول

اقتصاد الثقة الكاذبة: لماذا نشتري الأمل ونخسر الواقع؟

في قلب الاقتصاد الحديث، لا تُشترى دائمًا السلع والخدمات، بل كثيرًا ما يُشترى "الوعد"، ويُباع "الإيمان"، ويُتداول "الاحتمال". ما يُضخّم الأسواق ليس دائمًا إنتاجًا حقيقيًا أو قيمة مادية، بل ثقة جماعية هشّة، تُبنى غالبًا على آمال وردية، وإعلانات براقة، ونماذج نمو خادعة. في هذا العالم، يُصبح الوهم أصلًا ماليًا ، ويُعامل الحلم كما لو كان حصة في شركة، والنتيجة: اقتصاد قائم على فُقاعات تُنفَخ بالثقة وتنفجر عند أول نسمة شك…

السياحة بين الاكتشاف والاستهلاك: كيف تحوّلت إلى صناعة تُفرغ المكان من روحه؟

كانت السياحة يومًا وسيلة لاكتشاف الشعوب والتقارب بين الحضارات. لكن مع تعاظم الصناعة السياحية الحديثة، باتت الرحلات محكومة بمنطق الربح، وأصبح السائح يستهلك المكان بدل أن يتفاعل معه. فهل ما زالت السياحة فعلًا جسرًا للتفاهم الإنساني، أم تحولت إلى مشروع استهلاكي يسطّح الثقافات ويفرّغها من معناها؟ السياحة كتبادل ثقافي: الفكرة الأصلية الفكرة الجوهرية للسياحة تقوم على انتقال الإنسان من بيئته إلى أخرى لاكتشاف عادات جديدة، والتأمل في اختلافات الناس، وا…

هل ترفع الفائدة أم تُخفض؟ دوافع القرار وتبعاته على الاقتصاد

في عالم الاقتصاد، لا يوجد قرار أكثر حساسية من تحديد سعر الفائدة الأساسي ، تلك النسبة التي يُقرِّرها البنك المركزي لتمثل كلفة الإقراض بينه وبين البنوك التجارية. ورغم ما يبدو من جفاف التقنية في هذا القرار، إلا أنه يحمل في طيّاته تحولات استراتيجية كبرى تؤثر في الاستهلاك، والإنتاج، وسوق العمل، وسعر العملة، وحتى السياسات الدولية. ولكن ثمة نقطة محورية يُغفلها كثيرون : حين يرفع البنك المركزي الفائدة أو يخفضها، فهو لا يستهدف استثمارات الناس البنكية با…

العملة الرقمية المركزية (CBDC): هل نحن على أبواب ديكتاتورية مالية؟

في خضم ثورة رقمية متسارعة، بدأت البنوك المركزية في دول العالم الكبرى تجربة وإطلاق ما يُعرف بالعملة الرقمية المركزية (CBDC)، والتي تحمل وعودًا بتسهيل المعاملات المالية، وخفض التكاليف، وتحسين الشفافية. لكن خلف هذه الواجهة التقنية الجذابة، يكمن واقع جديد يثير قلقًا عميقًا حول خصوصية الأفراد، واستقلالية الحكومات، وحرية الاقتصاد. هل ستفتح CBDC الباب أمام تحكم غير مسبوق في حياة المواطنين، أم أنها مجرد تحديث لنظام مالي قديم؟ أولًا: ما هي العملة الرقمي…

النجاح على يوتيوب: الحقيقة المخفية وراء دعاية "النجاح الفردي" وتبرير فشل الآخرين

حين يُقال لنا إن النجاح على يوتيوب ممكن لكل من يجتهد، وأن قصص النجاحات التي نراها نموذج يُحتذى به، هل هذا صحيح؟ أم أن وراء هذه الصورة سطحية تغطي على حقائق معقدة ونظامية؟ في ظل ترويج هذه الدعاية، يقع كثير من صناع المحتوى في فخ تحميل المسؤولية كاملة على أنفسهم عند فشلهم، بينما يُهمل النظام الأكبر الذي يؤثر في فرص النجاح. هذا المقال يقدّم قراءة نقدية معمقة لكيفية صناعة هذا الوهم الذي يخدم المنصة ويجعل الكثيرين ضحايا وهم الفرصة المفتوحة. 1. قصص الن…

العولمة: تبادل تجاري حقيقي أم فرضٌ للتجارة على الدول النامية؟

العولمة تُقدَّم لنا – إعلاميًا – بوصفها حركة تبادل حرّ للسلع والخدمات، ووسيلة لتقليص الفجوة بين الشمال والجنوب، وتحقيق التنوّع والانفتاح الثقافي. غير أن الصورة الظاهرة لا تكشف دومًا عن المضمر في العمق. فهل العولمة فعلًا تبادل تجاري متكافئ، أم أنها آلية لفرض شروط التجارة على الدول الأضعف باسم "حرية السوق"؟  وهل انخراط الدول النامية في منظومة العولمة يخدم تنميتها فعلًا، أم أنه يُعيد إنتاج تبعيتها بشكل مموّه؟

اليابان : تفوقت في صناعة الآلة.. حتى صنعت من الإنسان آلة

لم يكن النجاح الياباني محض معجزة اقتصادية كما يصوّر الإعلام، بل كان ثمرة تصميم جماعي صارم حوّل المجتمع إلى ماكينة متقنة الأداء. غير أن هذا "النموذج" الذي طالما تغنّى به العالم، أخفى في ثناياه معاناة بشرية صامتة، ودفَع ثمنَه الإنسان الياباني من صحّته النفسية واجتماعه البشري، بل من إنسانيته ذاتها. كيف يمكن لأمة أن تصنع الروبوتات والقطارات الأسرع في العالم، وتعجز عن بناء علاقات إنسانية حقيقية داخل بيوتها؟ يتصدّر اليابانيون مؤشرات التقنية…

الهند : الفقر والطبقات.. بين الواقع المرير ودعاية النمو الاقتصادي

تمثل مثالًا صارخًا على ما يمكن تسميته بـ"النمو المنفصل عن العدالة". حين تطأ قدم الزائر أرض الهند لأول مرة، غالبًا ما يُفاجأ بصدمات متتالية: العشوائيات الهائلة، الأطفال الحفاة في الشوارع، الفوارق الطبقية الحادة، وفوضى لا يمكن تصنيفها بسهولة ضمن خانة "التنوع". هذا الانطباع الأولي ليس مجرّد مشهد عابر، بل هو مرآة تكشف التناقض العميق بين سردية " النمو الاقتصادي الكبير " وواقع الفقر البنيوي المتجذر في أعماق المجتمع الهند…

تفوقٌ خلف الزجاج: حين تُجمّل المأساة بأرقام النمو

في زمن يُقاس فيه التفوق بالحسابات البنكية، وترتيب الجيوش، وحجم الناتج المحلي، أصبحت الأمم تُصنَّف على الورق لا في الضمير، وتُحتفى نماذجها الناجحة على شاشات العالم بينما تعيش داخلها مآسي مسكوتٌ عنها... مآسٍ لو حدثت في بلاد العرب، لقامت الدنيا ولم تقعد. ولأننا نُطالب دائمًا بجلد الذات العربية، لا بد أن نطالب بالعدل في تقييم الآخرين. فالهند، واليابان، وإيران، وتركيا، وغيرها من الأمم التي تُعرض كنماذج صاعدة أو ناجحة، لا تسير بالضرورة نحو النهوض الحق…

البنوك الإسلامية: نظام مالي بديل أم تغيير المسميات؟

تُروّج البنوك الإسلامية على أنها البديل الشرعي للنظام المالي الربوي، وأنها تجسيد لمبادئ الشريعة في عالم الاقتصاد الحديث. غير أن الواقع يكشف عن فجوة واضحة بين الشعار والممارسة، بين ما يُقال وما يُفعل. فهل نحن أمام نظام مالي إسلامي حقيقي؟ أم مجرد تغيير شكلي في المصطلحات لإضفاء الشرعية على نمط التمويل التقليدي؟  هذا السؤال الجوهري يفتح الباب لنقاش نقدي يتجاوز المظاهر نحو الجوهر.

العملات الرقمية: من وراءها؟

تبدو العملات الرقمية في ظاهرها كاختراع تحرري، يقلب الطاولة على النظام المالي العالمي، ويمنح الأفراد حرية التصرف في أموالهم دون رقابة البنوك أو تدخل الحكومات. لكنها حين تُفكك نقديًا، نكتشف أنها ليست مجرد أرقام على "بلوكتشين"، بل مشروع أعمق يحمل في طياته أسئلة وجودية عن السلطة، والمراقبة، ومستقبل المال نفسه. فمن يقف خلف العملات الرقمية؟ ومن صاغ قواعد هذه اللعبة العالمية الجديدة؟

إندونيسيا : ذات الموارد الغنية .. فقيرة!

رغم أن إندونيسيا تُعد من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية، وتملك موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا بين أهم الممرات البحرية، إلا أن الفقر لا يزال ينهش شرائح واسعة من شعبها. المفارقة الصارخة بين الثروة الهائلة والمعاناة المعيشية تطرح سؤالًا عميقًا عن الجذور الحقيقية لهذا التناقض. فالجواب لا يكمن في نقص الموارد، بل في طريقة إدارتها، وتاريخ من التحالفات المشبوهة بين النخب الحاكمة والقوى الخارجية. ويبرز في هذا السياق اسم الجنرال سوهارتو، الذي حكم ال…

لبنان : الفقر في ثوبٍ أنيق

من بلد يُلقّب بـ"سويسرا الشرق" إلى دولة عاجزة عن تأمين الكهرباء والدواء والغذاء… لم يكن هذا الانهيار وليد لحظة، بل نتيجة مسار طويل من الفساد والتلاعب والانقياد لطبقة مصرفية وسياسية أقامت منظومة نهب محكمة.  الفقر في لبنان لا يبدو فقرًا تقليديًا:  إنه فقرٌ مغلّف بالحداثة الشكلية، ومُدار بخطاب طائفي، ومُبرّر بأزمات متتالية تُخفي الحقيقة:  أن التفقير هنا سياسة ممنهجة لا مجرد فشل عابر.

السياحة في تركيا: لماذا يضخّم الإعلام العربي المشاكل الأمنية؟

في السنوات الأخيرة، أصبحت أخبار الاعتداءات على العرب في تركيا أو مشكلات السياح فيها مادّة إعلامية دسمة، تُعاد وتُكرّر بوتيرة لافتة. ورغم أن كل بلد يعاني من حوادث فردية وسلوكيات شاذة، إلا أن تركيز الإعلام العربي على تركيا تحديدًا يطرح سؤالًا مشروعًا: ما المغزى؟ ولماذا تُضخّم هذه الحوادث بهذا الشكل؟ ما يبدو ظاهريًا كـ "تحذير أمني" ليس دومًا كذلك، بل يُخفي وراءه رسائل أعمق ذات طابع سياسي وإيديولوجي.

طبيعة استثمارات أمريكا في الخليج: هيمنة استراتيجية لا شراكة اقتصادية

رغم الخطاب الإعلامي المتكرر حول "التحالفات الاقتصادية" و"الشراكات الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة ودول الخليج، إلا أن تحليل طبيعة الاستثمارات الأمريكية في المنطقة يكشف عن معادلة مختلفة تمامًا.  فهذه الاستثمارات ليست مجرد أدوات مالية أو مشاريع تنموية، بل هي في جوهرها أذرع جيوسياسية تُدار بعناية لخدمة مصالح واشنطن في الطاقة، الأمن، وإعادة هندسة التوازنات الإقليمية.

الاقتصاد الريعي: حين تتحول الثروة إلى لعنة

في كثير من دول العالم، لا يرتبط الغنى بالعمل، ولا تتولّد الثروة من جهد بشري، بل تأتي على هيئة ريع : مورد طبيعي، امتياز سياسي، أو تحويل خارجي. يُعرف هذا النمط بـ"الاقتصاد الريعي"، وهو أكثر من مجرد نمط اقتصادي؛ إنه نمط حكم، وطريقة تفكير، ومجتمع بأكمله يُعاد تشكيله وفق منطق الريع لا منطق الإنتاج . تبدو الدول الريعية من الخارج كأنها غنية، لكنها في العمق هشّة، تعتمد على مصدر واحد للدخل، غالبًا خارج عن إرادتها. وهنا تكمن المفارقة: ما يبدو نع…

أعلام الدول العربية: بين رمز السيادة وبصمات التاريخ الخفي

تحمل الأعلام في ظاهرها رمزًا للسيادة الوطنية ووحدة الشعب، ولكنها في حقيقتها وثيقة بصرية تختزن سردية سياسية وثقافية عميقة. لا تُرسم الأعلام عبثًا، ولا تُختار ألوانها وأشكالها من فراغ، بل غالبًا ما تكون نتاج توازنات تاريخية، وولاءات أيديولوجية، وأحيانًا تعبيرًا عن تبعية غير معلنة.  وفي العالم العربي، حيث توالت الانقلابات والاستعمار والتبعية، باتت دراسة الأعلام بابًا لفهم تحولات الهوية واختراق الذاكرة الجمعية.

موسم الحصاد: ترامب في الخليج: حين تنضج الثمار بلا مقاومة

في منتصف مايو 2025، حطّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب رحاله مجددًا في الخليج، في جولة رسمية شملت السعودية وقطر والإمارات. لم تكن زيارته مفاجئة، لكن ما حملته من إشارات كان أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ترامب لم يأتِ لاكتشاف جديد، بل ليجني محاصيل زُرعت من قبل، ونضجت في مناخ إقليمي بات أكثر تقبّلًا، بل وترحيبًا، بالهيمنة الأميركية التي لم تعد تتوارى خلف شعارات الشراكة.

اليد التي تأخذ واليد التي تقتل: ازدواجية واشنطن بين الخليج وغزة

في مشهد يتكرر عبر العقود، تقف الولايات المتحدة أمام العالم وهي تمارس أقصى درجات الازدواجية السياسية. فمن جهة، تعزز شراكاتها العسكرية والاقتصادية مع دول الخليج، موقعة صفقات بمليارات الدولارات تحت لافتات "الأمن الإقليمي" و"التهديدات المشتركة".  ومن جهة أخرى، توفر الغطاء الكامل لإسرائيل في حربها المتواصلة على غزة، حيث تتساقط القنابل على المدنيين، وتتحول المدن إلى رماد.

لماذا يحارب البشر رغم أن الأرض تكفي الجميع؟

منذ بداية التاريخ، والحروب تُشعل الأرض وتُريق الدماء، حتى لتبدو وكأنها قدر لا فكاك منه في مسيرة الإنسان. لكن إذا تأملنا حجم الخيرات التي تحتويها الأرض، نجد أنها – لو وُزِّعت بعدل – تكفي كل البشر، وتزيد. فلماذا إذًا يصر الإنسان على الحرب؟ ولماذا لم ينعم العالم يومًا بسلام دائم؟ الإجابة لا تكمن في فقر الأرض، بل في تعقيد النفس البشرية وتشابك مصالح المجتمعات.

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج