عندما انهارت الصورة: كيف خسرت إسرائيل معركتها الرمزية أمام إيران؟

في تطوّر غير مسبوق، أقدمت إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى إيران، بدأت باغتيالات نوعية استهدفت قيادات من الحرس الثوري، وتلاها قصف لمواقع حساسة داخل الأراضي الإيرانية. ظنّت القيادة الإسرائيلية أنها بصدد تنفيذ ضربة خاطفة تُعيد ترسيم قواعد الردع في المنطقة، وتُخرج إيران من دائرة التهديد النووي طويل الأمد.
لكن ما جرى لاحقًا قلب الحسابات رأسًا على عقب: تل أبيب تحت القصف، القبة الحديدية عاجزة، الملاجئ تغصّ، وشرعية إسرائيل الدولية تتهاوى وسط شماتة شعوب العالم.
ما الذي حصل؟ ولماذا تحوّلت المغامرة الإسرائيلية إلى هزيمة مزدوجة: عسكرية ورمزية؟

أولًا: حسابات إسرائيل — حين خُدعت بغرورها

إسرائيل لم تُقدم على ضرب إيران فجأة، بل بُني القرار على ثلاث ركائز:
  1. الفرصة الذهبية: ضعف داخلي في إيران، احتجاجات اجتماعية، تآكل اقتصادي، وتراجع التنسيق بين أذرع طهران الخارجية.
  2. الضرورة الملحّة: شعور بأن البرنامج النووي الإيراني بلغ نقطة اللاعودة، وأن وكلاء إيران لم يعودوا كافيين لضبط الردع.
  3. الضوء الأخضر الضمني: سكوت أمريكي محسوب، ورغبة من إدارة بايدن في تفادي مواجهة مباشرة مع إيران، دون الاعتراض على أن تقوم إسرائيل بالعمل القذر.

وبناء على ذلك، وضعت إسرائيل خطتها:
  • تبدأ باغتيال القيادات العسكرية لشَلّ القيادة والسيطرة.
  • تليها ضربات جوية مركزة على المنشآت النووية.
  • بالتوازي، شنّ هجمات سيبرانية لتعطيل الرد.
  • وتعزيز الدفاعات تحسبًا لصواريخ من حزب الله أو الحوثيين.
لكن الخطة سقطت في أول اختبار واقعي.

ثانيًا: الرد الإيراني — من الغموض إلى العلنية الساحقة

إيران هذه المرة لم ترد كما اعتادت عبر أذرعها، بل باسمها، وبكامل طاقتها الصاروخية والمسيّرة:
  • انطلقت صواريخ من داخل إيران، وأخرى من العراق وسوريا، ومسيرات انتحارية بمديات طويلة، وجبهة حزب الله اشتعلت.
  • القصف طال تل أبيب لأول مرة في التاريخ.
  • الدفاعات الجوية الإسرائيلية انهارت تحت كثافة الهجوم المتعدد الاتجاهات.
  • عشرات المنشآت احترقت، والملاجئ امتلأت، والمطارات توقفت.
كان ذلك زلزالًا استراتيجيًا، إذ سقطت أسطورة “المناعة الإسرائيلية” أمام العالم كله، وتحولت الدولة التي طالما صدّرت القوة إلى كيان هش يتخبط في الداخل.

ثالثًا: الفشل الرمزي — حين سقطت الصورة قبل القبة

لكن الأخطر لم يكن عسكريًا فحسب. فقد تزامن الهجوم مع مزاج عالمي غاضب من إسرائيل بسبب جرائمها المتواصلة في غزة:
  • القصف الإسرائيلي لغزة خلال الشهور الماضية خلّف مجازر موثقة عالميًا.
  • مشاهد الأطفال تحت الأنقاض، وأشلاء الأسر المحاصرة، والمجاعات المصنّعة… كلها كانت حاضرة في وعي الشعوب.
  • حين جاءت الضربة الإيرانية، لم تُقرأ كعدوان، بل كـ”قصاص”، حتى في الغرب.
في لحظة واحدة، وجدنا:
  • مشاهير عالميين يشمتون علنًا في تل أبيب.
  • مظاهرات تهتف لإيران لا حبًا فيها، بل كرهًا في إسرائيل.
  • وسائل إعلام كبرى لم تتعاطف مع إسرائيل، بل تجاهلت استغاثاتها.
  • مؤسسات أكاديمية وثقافية تُدين عنف تل أبيب وتُصوّر الرد الإيراني كـ”استعادة توازن”.
انهارت بذلك الشرعية الرمزية التي لطالما تمتعت بها إسرائيل في الغرب، وتحولت من “ضحية ديمقراطية محاطة بالأعداء” إلى دولة مارقة تلقّت صفعة مستحقة.

رابعًا: الهروب الداخلي — الهزيمة النفسية قبل العسكرية

لم تكن الصواريخ وحدها ما أربك الداخل الإسرائيلي، بل:
  • آلاف الإسرائيليين سعوا للخروج من البلاد بأي وسيلة، وسط قصص عن تهريب جماعي وفوضى في المطارات.
  • عجز الحكومة عن السيطرة على الجبهات فتح جراحًا داخلية قديمة حول شرعية النظام نفسه.
  • الأصوات المرتفعة في الصحف العبرية لم تُخفِ الحقيقة: “هذه حرب وجودية نخسرها سياسيًا ونفسيًا قبل أن نخسرها ميدانيًا.”

خامسًا: الفارق الذي لم تفهمه إسرائيل

  • إسرائيل لم تدرك أن الحرب لا تُخاض فقط بالصواريخ، بل بالصورة، وبالرمز، وبالضمير العالمي.
  • حين تقتل آلاف الأطفال في غزة، فإن أي قصف تتلقاه لاحقًا يُرى عالميًا على أنه عدالة كونية تتأخر لكنها لا تغيب.
  • وحين تنفجر القبة الحديدية، لا تنفجر معها الأنظمة الدفاعية فقط، بل تنفجر معها أسطورة “إسرائيل التي لا تُقهر”.

خلاصة

لم تكن هذه حربًا خاطفة، بل ارتطامًا مدويًا بغرور القوة.
ظنّت إسرائيل أنها تقصف طهران لتنقذ نفسها، فإذا بها تفتح على نفسها أبواب جهنم.

والمفاجأة الكبرى لم تكن في صواريخ إيران، بل في ضمير شعوب العالم الذي قرر، أخيرًا، أن يتوقف عن تصديق أسطورة “الدولة الضحية”.
*
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال