
تشهد منطقة الشرق الأوسط في مايو 2025 واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخها الحديث، ليس فقط على مستوى السياسة والحرب، بل على صعيد الاقتصاد الذي بات يئن تحت وطأة الصراعات الممتدة. ومع تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة بعد الحرب الأخيرة في غزة، دخلت اقتصادات عدة في نفق من التحديات الحادة، بدءًا من التضخم وغلاء الأسعار، ووصولًا إلى تعثر المشاريع الكبرى وانكماش الاستثمارات.
ارتفاع الأسعار والتضخم.. المواطن أول المتضررين
من أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية في الشرق الأوسط اليوم، موجات ارتفاع الأسعار التي تضرب المواد الغذائية والطاقة والسلع الأساسية. تعاني دول مثل الأردن ومصر وتونس ولبنان من تضخم متسارع، حيث بات المواطن يلمس الفرق يوميًا في قدرته الشرائية، وسط جمود الأجور وتراجع الدعم الحكومي.
هذه الموجة التضخمية ليست ناتجة فقط عن العوامل الداخلية، بل تتغذى على أزمات خارجية مرتبطة بتكاليف الشحن، وتعطل سلاسل التوريد، وارتفاع المخاطر الجيوسياسية في الإقليم.
مشاريع التنمية في وضع الانتظار
في دول الخليج، ورغم ما تمتلكه من احتياطات مالية ضخمة، شهدت بعض المشاريع الاقتصادية الكبرى حالة من التباطؤ، مع إعادة توجيه الموارد نحو الإنفاق الدفاعي والاستعداد الأمني. كما أن الاستثمارات الأجنبية باتت أكثر حذرًا، وهو ما أثر على طموحات التحول الاقتصادي في دول مثل السعودية والإمارات.
أما في بلدان تعاني من هشاشة اقتصادية مثل لبنان أو السلطة الفلسطينية، فالصراع أدى إلى شبه شلل اقتصادي، مع تراجع المساعدات الخارجية وضعف ثقة المستثمرين.
الأمن الغذائي في خطر.. والاعتماد على الخارج يتضاعف
كشفت الحروب الأخيرة مدى هشاشة منظومة الأمن الغذائي العربي، إذ تعتمد معظم دول المنطقة على الاستيراد من دول مثل روسيا وأوكرانيا، وهو ما جعلها عرضة لأزمات التوريد وتقلبات الأسعار العالمية.
في ظل هذا الواقع، تتزايد التساؤلات حول قدرة دول المنطقة على تبني سياسات إنتاج زراعي محلي فعّال، خاصة في وقت تتراجع فيه المساعدات الدولية، وتتصاعد فيه الحاجة إلى استقلال غذائي مستدام.
قطاع الطاقة.. مكاسب آنية ومخاطر كامنة
صحيح أن أسعار النفط والغاز المرتفعة قدمت متنفسًا مؤقتًا لبعض دول الخليج والعراق، لكنها في الوقت نفسه وضعت هذه الدول أمام تحديات جديدة؛ فالعائدات المرتفعة قد تخفي تحولات قادمة في الطلب العالمي، فضلًا عن التهديدات الأمنية التي تطال منشآت الطاقة.
ولا تزال الأسواق العالمية تتعامل مع المنطقة بحذر، خشية تصعيد عسكري يهدد بإغلاق طرق التجارة أو تعطيل الإمدادات.
الاقتصاد غير الرسمي.. ضحية صامتة
في ظل هذه الأزمات، تتعرض الاقتصادات غير الرسمية التي يعتمد عليها الملايين من العاملين في المنطقة لضغط شديد. من الباعة المتجولين إلى العاملين باليومية، تواجه هذه الفئات خطر فقدان مصادر دخلها دون وجود شبكات حماية أو دعم حكومي كافٍ.
الأمر لا يتوقف عند البعد الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى المخاطر الاجتماعية، حيث تُهدد حالة الانكماش الحالية بانفجارات غضب شعبي إذا استمرت سبل العيش في التآكل.
مستقبل الاقتصاد في الشرق الأوسط.. هل من أمل؟
لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة. فطالما استمرت الحروب والصراعات، سيبقى التعافي الاقتصادي رهينة الغموض. تحتاج المنطقة إلى استراتيجيات مرنة وشاملة تعزز الإنتاج المحلي، وتعيد توزيع الموارد، وتُدخل إصلاحات حقيقية في بنية الاقتصاد، بعيدًا عن الحلول المؤقتة.
ومع كل أزمة، تتجدد الفرصة لطرح سؤال مصيري: هل يكون الألم دافعًا نحو بناء منظومة اقتصادية أكثر عدلًا وكفاءة، أم تظل المنطقة أسيرة الأزمات المتكررة؟
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
