فروق: شيخوخة القوة: كيف تهدد الأزمة الديموغرافية مستقبل الجيوش والأسواق الغربية؟

Wednesday, May 14, 2025

شيخوخة القوة: كيف تهدد الأزمة الديموغرافية مستقبل الجيوش والأسواق الغربية؟


بينما تتسابق الدول الغربية في مضمار التكنولوجيا، وتفاخر بأسواق مالية ضخمة، تلوح في الأفق أزمة صامتة، لكنها جوهرية: أزمة ديموغرافية تعصف بأسس القوة الغربية، وتعيد تشكيل ملامح المستقبل. فالانكماش السكاني وشيخوخة المجتمعات لم يعدا مجرد مشكلات اجتماعية أو صحية، بل أصبحا تهديدًا مباشرًا للجيوش، للاقتصادات، وللنفوذ العالمي ذاته. فهل يمكن لقوة عظمى أن تبقى كذلك دون شباب؟


أولًا: أرقام تحكي التراجع

تشير البيانات الديموغرافية إلى تراجع حاد في معدلات الخصوبة في معظم الدول الغربية. فقد أصبحت دول مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تسجل معدلات ولادة تقل عن 1.5 طفل لكل امرأة، أي أقل بكثير من معدل الإحلال الطبيعي (2.1). هذا التراجع لا يعني فقط نقصًا في عدد السكان، بل يعني مستقبلاً ارتفاعًا هائلًا في نسبة كبار السن مقابل القوى العاملة الشابة، وهو ما يولّد أعباء مالية هائلة على أنظمة التقاعد والرعاية الصحية.


ثانيًا: الجيوش بلا مجندين

الأمن القومي لا يقوم على التكنولوجيا وحدها، بل يحتاج إلى جيوش بشرية. ومع تقلص أعداد الشباب، تواجه الجيوش الغربية أزمة في التجنيد. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تفيد تقارير البنتاغون بأن أكثر من 70% من الشباب غير مؤهلين للخدمة العسكرية لأسباب تتعلق بالصحة أو التعليم أو السلوك. كما أن الدوافع للانخراط في الجيوش قد تراجعت بشكل كبير، مع تزايد الحساسية الاجتماعية تجاه الحروب الخارجية. في المقابل، تلجأ بعض الجيوش إلى التوسع في التعاقدات الخاصة أو الاعتماد المتزايد على الطائرات المسيّرة والأنظمة الآلية، لكن يبقى العنصر البشري ضرورة لا غنى عنها في أي مواجهة شاملة.


ثالثًا: أسواق متباطئة ونقص في الأيدي

الاقتصاد أيضًا يعاني من تداعيات الأزمة الديموغرافية. فمع تقلص أعداد السكان النشطين، تتباطأ عجلة الإنتاج والاستهلاك. العديد من القطاعات الحيوية مثل الزراعة، الرعاية الصحية، والصناعة بدأت تشهد نقصًا واضحًا في اليد العاملة. وفي الوقت ذاته، تقلص قاعدة المستهلكين الشباب يعني تراجع الطلب على المنتجات، مما يهدد ديناميكية السوق الرأسمالية التي تقوم على الاستهلاك المتزايد.


رابعًا: الهجرة كحلّ… ومشكلة

تتجه بعض الدول الغربية إلى تعويض نقص السكان من خلال الهجرة. غير أن هذا الحل يواجه عوائق كبيرة. فالمجتمعات الغربية تعاني من توترات ثقافية وهوياتية حادة تجاه المهاجرين، خاصة من خلفيات ثقافية غير غربية. تجارب فرنسا، ألمانيا، والسويد تشير إلى تعثّر مشاريع الاندماج، وتزايد الفجوات الاجتماعية، مما يغذي صعود اليمين المتطرف، ويقوّض أي محاولة لمعالجة الانكماش الديموغرافي عبر الهجرة.


خامسًا: شرق فتيّ وغرب شائخ

في المقابل، تتجه بعض القوى الآسيوية مثل الصين نحو أزمة ديموغرافية مماثلة، لكن بأسلوب إداري صارم، تحاول التحكم بها عبر الذكاء الاصطناعي والروبوتات وسياسات الولادة الجديدة. بينما دول أخرى مثل الهند وبنغلاديش ونيجيريا تمتلك وفرة شبابية ضخمة، ما يجعلها خزانات بشرية مستقبلية يمكن أن تُستثمر اقتصاديًا أو يُستغل بعضها استراتيجيًا. وهنا يُطرح السؤال: من يملك الشباب في القرن القادم… يملك النفوذ؟


خاتمة: 

الشيخوخة كأزمة وجودية للقوة

في عالم يتحرك بسرعة، لا يكفي المال أو السلاح للبقاء في القمة. القوى الكبرى تحتاج إلى شباب يديرون المصانع، يخدمون في الجيوش، يبتكرون، ويستهلكون. ومع استمرار الغرب في فقدان هذه الطاقة البشرية، قد نجد أنفسنا أمام تحول جذري في ميزان القوى العالمي. الأزمة الديموغرافية ليست مسألة مستقبلية بعيدة، بل واقع يتسلل ببطء… لكنه يعيد رسم خريطة القوة الدولية من جديد.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .