أخوّة إسلامية مفخخة: حين تُختزل الأمة إلى عاطفة والمواطنة إلى قيد

في قاموس الخطاب الرسمي للدول الإسلامية، "الأخوة الإسلامية" شعار مكرور، محفوظ، يُرفع في المناسبات، ويُوشّى به البيان الختامي، ويُهمس به في المؤتمرات كلما اقتربت الكاميرات.

لكنّ الواقع يكشف أن هذه الأخوة، في عمقها السياسي، مشروطة ومقيّدة، لا عابرة للحدود كما يوحي النص الديني. إنها أخوة متخيَّلة، لا تعمل إلا على مستوى الأفراد، وتُفكّك بالكامل عندما تصل إلى حدود السياسات بين الدول.

دعاية أخوّة... تُدار بالتحكّم السياسي

السلطة في الدول الإسلامية لا ترفض الأخوة الإسلامية كمبدأ، لكنها تفككها إلى مكوّن عاطفي فردي، منزوع من أي تبعات سياسية.
يُطلب من الشعوب أن يتضامنوا، أن يتعاطفوا، أن يتألموا، أن يُحسنوا التبرّع لضحايا المجازر والاحتلالات، ما دام كل ذلك لا يجرّ الدولة إلى اتخاذ موقف.

كلما اشتدّ الاستضعاف في أرضٍ إسلامية، اشتغلت ماكينة الدعاء، والبرامج الرمضانية، والفتاوى، وخُطب الجمعة… لكنّ السفارات تُبقي أبوابها مغلقة، والموانئ تحت السيطرة، والعلاقات مستمرة على مبدأ: لا علاقة لنا بالدم إن لم يكن مواطنًا منّا.

فصل اصطناعي بين الأمة والدولة: خطاب يجمّل القطيعة

الخطورة لا تكمن في النفاق السياسي، بل في إنتاج خطاب ديني مروّض يُبرّر هذا الفصل، ويُعيد تشكيل مفهوم "الأمة" لتصبح وعاء وجدانيًا مفصولًا عن الجغرافيا والسيادة والقرار.
هكذا، تُختزل الأمة الإسلامية إلى جمهور دعاء، وموسم تبرعات، ولا يجوز لها أن تكون وحدة استراتيجية، ولا شبكة ضغط، ولا تحالفًا سياسيًا.

حتى مبدأ "نصرة المظلوم"، الذي هو من صلب الشريعة، لا يُفعّل في السياسة، بل يُحوّل إلى نشاط خيري منزوع الدسم.
الدم يُستثمر خطابيًا، لكنه لا يحرّك تحالفًا ولا يُعلّق معاهدة ولا يُقاطع مجرمًا.

المواطنة قبل العقيدة: المعادلة الحاكمة

في الممارسة الواقعية، تم إرساء قاعدة غير معلنة:

أخوتك للمسلم الآخر مقيّدة بجواز سفرك.
فإن لم يكن من مواطنيك، فلا مسؤولية سياسية تُجاهه، ولا واجب دولي، ولا موقف رسمي.
بل الأسوأ: إن اتخذت موقفًا شعبيًا تجاه قضيته، يُحاسبك جهاز الأمن، لا محكمة الضمير.

بهذه الصيغة، تُصبح الحدود التي صنعها الاستعمار أقوى من روابط العقيدة، وتُصبح الهوية الإسلامية موسمية، انتقائية، ومؤمّنة على حياة النظام فقط.

مفارقة غزة: عندما تصطدم الأخوة بالتحالفات

غزة نموذج فاضح لهذا النمط:

  • الشعوب تهتف وتبكي وتتضامن.
  • العلماء يفتون بالنصرة.
  • الأنظمة... تصدر بيانات فارغة وتفتح معابر "للمساعدات فقط"، بينما تُنسّق في الخلف قنوات مع الاحتلال.

وفي النهاية: أنت أخي… ما لم تُحرج تحالفاتي.

خاتمة: خطاب بلا معنى، وأمة بلا مشروع

هذا الخطاب المزدوج لا يبني أمة، بل يُدجّنها.
وهو لا يضعف فقط التضامن الإسلامي، بل يسلّع المقدّس ويحوّله إلى أداة ضبط نفسي لشعوب مغلولة اليدين.

لن يكون هناك مشروع إسلامي حقيقي، ولا "أمة" جديرة بالاسم، ما دامت الأخوة تُختزل إلى شعور، ويُمنع عنها أن تُترجم إلى موقف، وسيادة، وخيارات استراتيجية.
فأما أن تكون الأخوة الإسلامية إطارًا للسياسة والسيادة والتحالف، أو فلا معنى لها إلا كخرافة تُروى على المنابر… وتُدفن في السفارات.

أحدث أقدم