
السياسة الداخلية: هشاشة السلطة وصراع النخب
رغم توقيع اتفاقيات السلام، تستمر التوترات بين النخب السياسية، خاصة بين الرئيس سلفاكير ونائبه السابق رياك مشار. اعتقال الأخير مؤخرًا في جوبا يعكس أن السلطة المركزية غير قادرة على تجاوز الانقسامات القبلية والسياسية. هذه الصراعات الداخلية تكشف أن الدولة لم تتأسس على مؤسسات قوية، بل على تحالفات شخصية هشة، مما يجعل الاستقرار الوطني مرهونًا بتوازنات غير مستقرة.
الأمن: نزاعات مسلحة وأثر الحرب الإقليمية
الداخلية ليست التحدي الوحيد؛ فجنوب السودان تواجه نشاطًا مسلحًا مستمرًا يهدد الأمن والاستقرار. إضافة إلى ذلك، تتأثر البلاد مباشرة بالحرب في السودان المجاور، مع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، ما يزيد الضغوط على الموارد والبنية التحتية الهشة. السياسة الأمنية هنا ليست مجرد مواجهة مع المعارضة، بل إدارة حالة مستمرة من الصراع متعدد الأطراف داخليًا وخارجيًا.
الاقتصاد: النفط وتبعية الموارد
يعتمد اقتصاد جنوب السودان على النفط بشكل شبه كامل، لكن صعوبة تصديره عبر السودان جعل الدولة تعاني أزمة مالية مستمرة، تشمل تأخر دفع رواتب الموظفين وتعثر التنمية. هذا الاعتماد على مصدر واحد يكشف هشاشة الدولة الاقتصادية، ويحول النفط من أداة ثروة محتملة إلى عامل ضغط سياسي واقتصادي على الحكومة.
الدور الدولي: دعم محدود وفعالية مشكوك فيها
رغم وجود بعثة الأمم المتحدة وبرامج دعم دولية، إلا أن تأثير هذه الجهود على بناء مؤسسات الدولة الحقيقية ضعيف. التدخل الخارجي لا يواجه جذور الصراع، بل يقتصر على إدارة الأزمات بشكل مؤقت، مما يوضح أن الاستقرار لن يتحقق إلا بقدرة داخلية على تأسيس حكم مؤسساتي مستقل.
خاتمة
جنوب السودان، بعد أكثر من عشر سنوات من الاستقلال، لا تزال تجربة الولادة الوطنية هشة ومعقدة. الاستقرار الدائم يتطلب أكثر من اتفاقيات سلام ظاهرية؛ يحتاج إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، تنويع الاقتصاد، وتعزيز الحوار الوطني بعيدًا عن الانقسامات القبلية والنفوذ الأجنبي. الواقع الجيوسياسي للبلاد يشير إلى أن الطريق نحو الدولة المستقلة الحقيقية طويل وصعب، وأن الإعلام غالبًا ما يغفل التفاصيل الأكثر تعقيدًا وراء الصورة السطحية للأزمات.