
الخطاب الإنساني: غطاءٌ ناعم لأهداف صلبة
استقبال اللاجئين، خصوصًا من بلاد المسلمين، يُقدَّم في الإعلام الغربي كفعل إنساني خالص، لكن المتأمل في خريطة الاستقبال يجد أن الأمر أقرب إلى هندسة ديمغرافية موجّهة منه إلى تضامن إنساني محض.
فالمهاجر لا يُستقبل حيث هو أكثر حاجة، بل حيث يُفيد أكثر في سوق العمل، وحيث يمكن استثماره في صراعات سياسية محلية، أو استخدامه كورقة ضغط جيوسياسي. أما من لا تنطبق عليه هذه الشروط، فمصيره الغرق في البحر أو الإعادة القسرية أو التهميش الطويل.
من الضحية إلى المتهم: متى أصبح اللجوء تهمة؟
المفارقة المؤلمة أن من فرّ من القتل يُعامل لاحقًا كمشتبه به. يُنظر إلى المهاجر المسلم – خصوصًا الرجل – على أنه حاملٌ محتمل للتطرّف أو لقيم مهدّدة للنموذج الغربي.
وفي الإعلام، لا يُرى في اللاجئ "إنسانًا" بل يُختزل إلى هوية دينية تُربط بمشاهد العنف، وبعناوين من قبيل "الخطر الإسلامي" أو "غزو اللاجئين"، حتى في قنوات تتحدث باسم "الحرية والحقوق".
هذه الآلة الإعلامية لا تُخطئ فقط في التحليل، بل تصنع وعيًا زائفًا يُقنع الشعوب الغربية أن أمنها مهدد بوجود من هم بالأصل ضحايا تدخلاتهم السياسية والعسكرية.
المسلم كجسم غريب: بين العزلة والاحتواء القسري
في قلب هذا التوتر، يُوضع المسلم أمام خيارين لا ثالث لهما:
- إما أن يذوب في النموذج الغربي، متخليًا عن ملامحه الدينية والثقافية، ليُعتبر "مقبولًا".
- أو أن يحافظ على هويته فيُنظر إليه كجسم غريب، يُطوَّق بالمراقبة ويُربط بكل حادثة عنف فردية.
حتى الحجاب، واللحى، والأسماء، تصبح قرائن سياسية أكثر منها دينية. ويُطالب المسلم بأن يُثبت "ولاءه" باستمرار، وأن يعتذر عمّا لم يرتكبه، وأن يشرح نفسه في كل منبر.
الهندسة الديمغرافية المقنّعة
في بعض دول أوروبا، يُعاد توزيع المهاجرين ليس لتحقيق العدالة، بل لإعادة تشكيل الخريطة السكانية وفق معايير اقتصادية وسياسية: يتم وضع المهاجرين في ضواحي معزولة، وتُفصل أجيالهم عن هويتهم الدينية عبر التعليم والإعلام، وتُشجَّع سياسات التزاوج والاندماج المصطنع لضمان تفكك الذاكرة الجماعية للمهاجرين.
وبينما يُمنع على المهاجر أن يتحدث عن قضاياه السياسية أو عن فلسطين أو عن الاستعمار، يُطلب منه أن "يشكر" الدولة المستضيفة ويتماهى مع سرديتها، حتى وإن كانت سببًا في مأساته.
هل الهجرة خلاص؟ أم إعادة تدوير للهيمنة؟
ليست المشكلة في الهجرة بحد ذاتها، بل في كونها إعادة تدوير للهروب من المأساة نحو مأساة أشد خفاءً.
فالغرب لم يتوقف عن إنتاج الفوضى في الشرق، ثم يستقبل ضحاياه ليحوّلهم إلى أدوات داخل منظومته، يستهلك طاقتهم، ويصهر وعيهم، ثم يُخضعهم لمقاييس الولاء والانتماء.
خاتمة: وعي الهجرة شرط للتحرر
المطلوب اليوم ليس فقط أن نهرب من الجحيم، بل أن نعي أسباب اشتعاله.
أن نعيد تعريف الهجرة، لا بوصفها خلاصًا، بل معركة أخرى، تُخاض في ثقافة الآخر، وفي سوقه، وفي لغته، دون فقدان الذات.
فالمسلم لا ينبغي أن يتحول إلى "نسخة ملطفة من الغربي"، بل إلى شاهدٍ على الظلم، وحاملٍ لقيم بديلة، ومقاومٍ لصناعة الوعي الزائف.