
في زمن تُعاد فيه صياغة الذوق، والاعتقاد، والانتماء، يصبح البقاء على وعيك، على أصالتك، على نسختك الخاصة من الإنسان، شكلًا نادرًا من النجاح.
نجاح لا يُحتفى به، لأن ملامحه غير براقة، ولأنه يزعج الثقافة السائدة التي تريدك متشابهًا، منسجمًا، بلا زوايا حادة.
العالم لا يحب المختلفين
المفارقة أن الخطاب العام يدّعي تمجيد "التميز" و"الاختلاف"، لكنه في العمق يُكافئ النسخ المتطابقة.
من يشذّ عن السردية السائدة يُتَّهم بالرجعية أو التطرف، ومن يُبدي رأيًا أصيلًا يُحاصر بالصمت أو السخرية.
لذلك، مقاومة التيار ليست مجرّد "عناد"، بل تتطلّب شجاعة فكرية، واستقلالًا داخليًا، وقوة احتمال.
أن تقول "لا" حيث يصرخ الجميع بـ"نعم"، ليس بطولة مؤقتة، بل موقف وجودي يُبنى بالتدريج، ويُختبر بالصمت والخذلان.
ما هو التيار أصلًا؟
التيار ليس سياسة فقط، بل ثقافة خفية:
- كيف تلبس.
- كيف تفكر.
- كيف تعبّر عن نفسك.
- لمن تنتمي، ومن تعتبره قدوة.
وكل ما يخالف هذا التيار — حتى في التفاصيل — قد يُحمَل كـ"فشل في التكيّف"، لا كوعي بديل.
لكن الحقيقة أن من يسير ضد التيار أحيانًا، هو من يرى ما لا يُرى، ويشعر بما لم يعد يُحس.
النجاح في البقاء لا في الاندماج
هناك نوع من النجاح لا يُقاس بعدد المتابعين ولا بالتصفيق، بل بمدى قدرتك على أن تظل صادقًا مع ذاتك دون أن تنعزل، وأن تُعبّر عن فكرتك دون أن تتحوّل إلى نسخة هجومية أو مستنسخة من غيرك.
أن تبقى صادقًا دون أن تصرخ، وأن تكون مختلفًا دون أن تتكبر... هذا هو الانتصار الحقيقي على تيار إعادة التشكيل.
لأنك لست مادة خام
الثقافة الحديثة تتعامل مع الإنسان كـ"مادة خام" يجب تشكيلها وفق قوالب السوق أو الأيديولوجيا أو الذوق العام.
لكن من يعرف من هو، ومن يُمسك بالبوصلة حين تختفي المعالم، هو من ينجح... لا في لفت الأنظار، بل في النجاة من الذوبان.
خاتمة: أن تبقى إنسانًا وسط المعادلات
النجاح ليس أن تُرضي الجميع، بل أن ترضي ضميرك.
ليس أن تذوب في التيار، بل أن تبقى ثابتًا في جوهرك، ولو وحدك.
فالذين يصمدون أمام طوفان المسخ، هم الذين تُبنى على أثرهم طرق جديدة.