مصر الجمهورية: عبد الناصر والسياسة الجيوسياسية الحقيقية

الجزء الرابع والأخير: السياسة في مصر خلال فترة الجمهورية تحت عبد الناصر، والأبعاد الجيوسياسية الإقليمية والدولية بعيدًا عن السرد الإعلامي المبسط:

صعود عبد الناصر وبناء الدولة المركزية

  • بعد توليه السلطة الفعلية في منتصف خمسينيات القرن العشرين، ركّز عبد الناصر على توطيد سلطة الدولة المركزية، مع إعادة هيكلة الجيش والإدارة المدنية لضمان السيطرة على كل مفاصل الدولة.

  • الهدف كان واضحًا: تحرير القرار الوطني من النفوذ الأجنبي المباشر، خاصة البريطاني والأمريكي، وإعادة مصر إلى قلب السياسة الإقليمية.

السياسة الداخلية: الاستقلال الحقيقي وراء الرؤية القومية

  • على عكس الصورة الإعلامية السائدة التي تركز على الخطاب الشعبي والإصلاحات الاجتماعية، كان النهج الحقيقي لعبد الناصر يرتكز على تأمين الدولة من الانقسامات الداخلية:

    • القضاء على النفوذ الملكي السابق والإقطاع المحلي.

    • تفكيك الأحزاب القديمة التي كانت أدوات للغرب، وإعادة هيكلة القوى السياسية ضمن مؤسسات الدولة.

    • التحكم في الإعلام لتوجيه الرأي العام نحو أولويات الدولة الاستراتيجية، وليس فقط كأداة دعائية.

  • الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية مثل التأميم والإصلاح الزراعي كانت جزءًا من استراتيجية تقوية الدولة اقتصاديًا لتقليل الاعتماد على القوى الأجنبية، وليس مجرد شعارات شعبوية كما يروج الإعلام.

السياسة الإقليمية: من النفوذ الإقليمي إلى التوازن مع القوى الكبرى

  • مصر في عهد عبد الناصر لم تقتصر على السياسات الداخلية، بل عملت على إعادة تعريف نفوذها الإقليمي:

    • تأميم قناة السويس (1956): لم يكن مجرد تحرك اقتصادي، بل كان خطوة استراتيجية لتحرير أحد أهم شرايين التجارة العالمية والسيطرة على الموارد الحيوية.

    • التوازن بين الشرق والغرب: لعب عبد الناصر دورًا دبلوماسيًا حاسمًا بين المعسكرين، مستفيدًا من التنافس الأمريكي السوفيتي للحصول على دعم عسكري واقتصادي دون التخلي عن الاستقلال الوطني.

    • التأثير في العالم العربي وإفريقيا: دعم حركات التحرر الوطني والتحرر من الاستعمار الفرنسي والبريطاني في الجزائر والسودان وليبيا، مما وضع مصر في قلب التحولات الإقليمية بعيدًا عن الانطباعات الإعلامية المبسطة عن “القومية فقط”.

السياسة الدولية: مصر لاعب جيوسياسي فعلي

  • في السياسة الدولية، لم يكن عبد الناصر مجرد رمز قومي، بل محرك رئيسي للتحالفات غير التقليدية:

    • المشاركة في تأسيس حركة عدم الانحياز لتعزيز نفوذ الدول النامية ضد الاستقطاب الثنائي للغرب والاتحاد السوفيتي.

    • إدارة ملف النزاعات الإقليمية (مثل أزمة السويس والحروب العربية الإسرائيلية) بطريقة تحافظ على المصالح الوطنية رغم الضغوط الدولية الكبيرة.

    • استخدام الموارد الاستراتيجية (مثل قناة السويس) كأداة ضغط جيوسياسي على القوى الكبرى، وليس مجرد شعار سياسي داخلي.

التحديات الحقيقية بعيدًا عن الإعلام

  • كانت هناك تحديات داخلية وإقليمية لم يظهرها الإعلام التقليدي:

    • المعارضة الداخلية المحسوبة على التيارات الملكية والليبرالية.

    • محاولات الدول الكبرى التأثير على القرار المصري عبر الدعم العسكري والاقتصادي للمعارضين المحليين.

    • التهديدات الإسرائيلية المباشرة والخلافات مع بعض الدول العربية حول السياسات الإقليمية، مثل الوحدة مع سوريا وفشل الاتحاد العربي.

خاتمة السلسلة: قراءة جيوسياسية مصرية متكاملة

  • من محمد علي إلى عبد الناصر، يظهر أن مصر كانت دائمًا محورًا جيوسياسيًا بسبب موقعها الاستراتيجي وجغرافيا منابع التجارة العالمية.

  • السياسة المصرية لم تكن مجرد خطاب أو مواجهة إعلامية، بل إدارة معقدة للتوازن بين القوى الداخلية، الإقليمية والدولية، حيث تداخلت المصالح الاقتصادية، العسكرية، والدبلوماسية لتحديد مسار الدولة.

  • هذه القراءة تظهر أن مصر نجحت، في فترات مختلفة، في تحقيق استقلال القرار الوطني والموازنة بين النفوذ الأجنبي والوطني، مع المحافظة على دور إقليمي ودولي فاعل، بعيدًا عن الصورة الإعلامية المبسطة التي تصورها أحيانًا مجرد رمز قومي أو دولة صدامية مع القوى الكبرى.


السلسلة:
+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.