
مشهد إعلامي أم واقع استراتيجي؟
أُعلن عن وقف إطلاق النار أولًا من واشنطن، لا من تل أبيب أو طهران. الرئيس الأمريكي أعلن في مؤتمر صحفي أن "الحرب انتهت" وأن الطرفين وافقا على وقف القتال. لكن اللافت أن إيران لم تُعلن الأمر بنفس الصيغة، بل صاغت موقفها على شكل مشروط: "سنتوقف عن الضربات إذا توقفت إسرائيل بحلول الساعة الرابعة صباحًا". هنا تظهر الفجوة بين الخطاب السياسي الأمريكي والحقائق الميدانية.
هل هو انتصار للدبلوماسية؟ أم مجرد ضرورة أمريكية لوقف التدهور قبل أن تفقد واشنطن السيطرة على الحلفاء والساحة الخليجية؟
وقف هشّ واستعراض متبادل
على الأرض، لم يتوقف القتال فورًا. فقد أُطلقت صواريخ إيرانية على بئر السبع بعد ساعات من إعلان الاتفاق، وردّت إسرائيل بقصف مواقع في الداخل الإيراني. كل طرف يتهم الآخر بخرق الهدنة. المشهد يُذكّر أكثر بـ"إدارة نار" لا "إطفاء حرب".
هذا "الوقف" يبدو أقرب إلى كسر حدة التصعيد منه إلى اتفاق حقيقي. فإسرائيل لم تحقق تدميرًا حاسمًا للمنشآت النووية الإيرانية، وإيران من جهتها لم تُسقط البنية الأمنية الإسرائيلية أو تكسر ميزان الردع، لكنها أثبتت قدرتها على الوصول للعمق الإسرائيلي.
لماذا توقفت الحرب فجأة؟
الجواب الأعمق ليس فقط في غرف المفاوضات، بل في تقدير كل طرف لحجم ما يمكن تحصيله دون التورط أكثر.
- إسرائيل لم تعد قادرة على تحمّل استنزاف داخلي طويل أو فتح جبهة لبنانية إضافية.
- إيران أرادت إيصال رسالة الردع، دون الدخول في حرب شاملة قد تؤدي إلى ضربات ساحقة لمواقعها الاستراتيجية.
- أمريكا – الطرف الأكثر قلقًا – باتت ترى أن استمرار التصعيد يُقوّض استقرار الخليج ويؤثر على أسواق الطاقة، في لحظة انتخابية حرجة.
خطاب "النهاية" واستثمار الصورة
إعلان وقف الحرب كان إعلاميًا أكثر منه عسكريًا. تصريح ستيف ويتكوف بأن "لا أحد يُطلق النار" هو محاولة لغلق الملف في ذهن الجمهور الأمريكي والدولي، لا في واقع الشرق الأوسط المتقلّب.
لكن أي مراقب عسكري يدرك أن مجرد توقف الضربات لا يعني نهاية النزاع. بل قد يكون لحظة إعادة تموضع، وتقييم للخسائر، وربما إعداد لجولة أخرى بأدوات جديدة.
ما بعد الحرب: مَن المنتصر حقًا؟
في هذا النوع من الحروب، لا يُقاس النصر بعدد الطلعات الجوية أو القتلى، بل بالقدرة على فرض قواعد جديدة للّعبة.
- إيران خرجت من المواجهة بأقل الخسائر الممكنة، محتفظة بمنشآتها رغم الأضرار.
- إسرائيل فشلت في تحقيق ضربة حاسمة، لكنها استعادت جزءًا من الردع التكتيكي.
- الولايات المتحدة قدّمت نفسها كصاحبة الحل، لكن بشكل يُخفي القلق من فقدان السيطرة أكثر من الثقة بقدرتها على فرض تسوية دائمة.
هل انتهت الحرب فعلًا؟
الجواب الأقرب للواقع: لا. لقد توقّف القتال مؤقتًا، ولكن لم تُحسم أسباب الصراع، ولم تتبلور معادلة أمنية جديدة، ولم تُرسَم حدود واضحة لما هو مسموح وممنوع. الأرجح أننا أمام هدنة قلقة، ستبقى رهينة أي شرارة في الجنوب اللبناني، أو هجوم سيبراني، أو تطوّر نووي معلن.