
لكن ما لا يُقال كثيرًا هو أن النكبة ليست مجرد حدث وقع في لحظة زمنية، بل بنية مستمرة ومتجددة، تتغلغل في كل نواحي الحياة الفلسطينية، وتُشكل معادلة دائمة من القهر والاغتراب.
النكبة التاريخية: أكثر من تهجير واحتلال
النكبة الأولى كانت إعلانًا عن تشريد جماعي وفقدان الأرض والمأوى، لكنها كانت أيضًا بداية لعملية منظمة لتصفية قضية فلسطين من الوجود السياسي والقانوني.
إنها ليست مجرد فقدان مكان، بل فقدان الحق في الوجود، واحتواء القضية في إطار إنساني ضيق يعزلها عن بعدها الوطني والقومي.
النكبة المستمرة: الاحتلال كاستراتيجية يومية
منذ 1948 وحتى اليوم، النكبة مستمرة عبر:
- الاستيطان المتواصل الذي يُغير تركيبة السكان والأرض، ويغرس جدران الفصل والتمييز.
- التشريد الداخلي في الضفة الغربية وغزة عبر الهدم القسري والاقتلاع من الأرض.
- الحصار الاقتصادي والسياسي الذي يجعل الفلسطينيين يعتمدون على المساعدات الدولية أو على قوى الاحتلال نفسها.
- تقييد حرية التنقل التي تجعل الفلسطينيين أسرى داخل حدود غير معلنة.
هذه العوامل ليست أحداثًا عشوائية، بل أدوات في بنية الاستعمار التي تعيد إنتاج النكبة كل يوم.
النكبة في الوعي الجمعي: طمس الذاكرة وتمزيق الهوية
إلى جانب الحرب على الأرض، هناك حرب على الذاكرة والهوية.
تحاول آليات الاحتلال والأنظمة العربية الرسمية طمس التجربة التاريخية للنكبة، وتقديمها كقضية إنسانية لا قضية شعبية مقاومة.
كما تستهدف تفكيك الروابط الثقافية والاجتماعية عبر تحطيم النسيج المجتمعي الفلسطيني وتفكيك مؤسساته الوطنية.
النكبة وأفق التحرير: هل يظلّ الصراع مفتوحًا؟
النكبة المستمرة تعني أن الاحتلال لم يحقق غايته بعد، وأن الفلسطينيين ما زالوا في معركة البقاء والاسترداد.
لكن بنية النكبة تعني أيضًا أن المقاومة يجب أن تكون شاملة: مقاومة عسكرية وسياسية، لكنها بالدرجة الأولى مقاومة ثقافية ومعرفية تعيد بناء الذاكرة الوطنية وتؤسس لرؤية متجددة تحرر الأرض والإنسان.
خاتمة: قراءة البنية لفهم الصراع
حين ننظر إلى النكبة كحدث، نختزل الصراع في الماضي.
أما حين نقرأها كبنية مستمرة، نفهم أن المعركة اليوم ليست فقط مع الاحتلال، بل مع منظومة كاملة من السيطرة تسعى إلى إبقاء الفلسطينيين في حالة انكسار دائم.
وهذا الوعي هو المفتاح لفك القيود وإعادة صياغة المشروع الوطني، ليس فقط على الأرض، بل في الوعي والتاريخ والثقافة.