تقسيم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى: سايكس-بيكو وإرث التبعية

يُعد تقسيم الشرق الأوسط عقب الحرب العالمية الأولى نقطة محورية في تشكيل واقع المنطقة السياسي والاجتماعي الحالي. الاتفاق السري المعروف بـ"سايكس-بيكو" شكّل خريطة جديدة فرضتها قوى الاستعمار الأوروبية، مخلفة ورائها إرثاً من التبعية والصراعات الداخلية التي ما تزال تؤثر على استقرار الدول والمجتمعات حتى اليوم. إلا أن السرد الرسمي يميل إلى تجاهل أو تهميش الأبعاد الحقيقية لهذا التقسيم وتأثيره العميق على مصير شعوب المنطقة.

السرد الرسمي: اتفاق مؤقت لا أهمية له

يروج السرد التقليدي لهذا الاتفاق كصفقة سياسية مؤقتة بين حلفاء الحرب، ويفترض أن الشعوب العربية كانت على اطلاع أو موافقة ضمنية على التقسيم، مع تجاهل إرادة الشعوب الحقيقية وحقها في تقرير المصير. كما يختصر التأثير في حدود إدارية بحتة دون الإشارة إلى الأبعاد الاستعمارية والاستغلال الاقتصادي والسياسي اللاحق.

الأبعاد الخفية للاتفاق

كان سايكس-بيكو خطة استراتيجية لتقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، بهدف السيطرة على منابع الثروات والطرق الحيوية، مع إضعاف الكيانات السياسية العربية المستقلة، وتأجيج الانقسامات الطائفية والعرقية كأداة للهيمنة.

إرث التبعية والصراعات

نتج عن هذا التقسيم دول ضعيفة بنيتها السياسية والاجتماعية، مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالقوى الاستعمارية. هذا التبعية أفرزت حروبًا أهلية وصراعات حدودية داخلية مستمرة، وأسهمت في ظهور حركات مقاومة متعددة، بعضها انحرف بفعل عوامل داخلية وخارجية، مما جعل الاستقرار بعيد المنال.

قراءة بديلة: إرادة الشعوب وقضية تقرير المصير

إعادة قراءة هذا الحدث تستدعي التركيز على رفض الشعوب العربية لهذا التقسيم، ومحاولات المقاومة التي قوبلت بالقمع، كما تبرز أهمية استعادة حق تقرير المصير الذي استُلب بالقوة، وفهم كيف شكل هذا الاتفاق الأساس لسياسات الهيمنة الخارجية المستمرة حتى اليوم.

خاتمة

سايكس-بيكو ليس مجرد اتفاق تاريخي من الماضي، بل هو جرح عميق في نسيج المنطقة، وفهم أبعاده الحقيقية هو مفتاح لفهم الكثير من أزمات الشرق الأوسط المعاصرة ومحاولات تحقيق الاستقلال والسيادة الحقيقية.

سلسلة: إعادة قراءة التاريخ: ما لم تقله الكتب

أحدث أقدم