
كيف تُصاغ المصطلحات لخدمة القوة؟
حرب المفاهيم في معركة الوعي
في عالم اليوم، لا تُكسب المعارك الكبرى بالرصاص… بل بالمصطلحات.
ما يُطلَق عليه اسم "نزاع"، أو "عملية سلام"، أو "إصلاحات اقتصادية"،
قد يخفي وراءه مشروعًا كاملاً للهيمنة والتحكم.
السلطة الذكية لا تفرض رؤيتها بالقوة فقط، بل تصوغها على هيئة مفردات مألوفة… ثم تتركها تتسلل إلى وعيك، دون مقاومة.
المصطلح: أداة هندسة للعقول
المصطلحات ليست مجرد كلمات مختصرة، بل هي مستودعات أيديولوجية.
فالمصطلح الجيّد – من وجهة نظر السلطة – هو ذلك الذي:
- يُشرعن أفعالها
- يُشوّه أعداءها
- يُربك وعي الناس
- ويبدو محايدًا ومهنيًا
مثال 1: "الإصلاح الاقتصادي"
هذا المصطلح يُستخدم عالميًا لتبرير الخصخصة، تقليص الدعم، فرض شروط صندوق النقد.
لكن تسميته "إصلاحًا" تجعل رفضه يبدو كأنك ضد التقدّم!
إنه تزييف لغوي يجعل الألم يبدو ضروريًا والتقهقر يبدو تحديثًا.
مثال 2: "التطرف"
تُستخدم الكلمة لتصف كل من يتجاوز "السقف المسموح".
فلا يعود المعيار هو الفكرة نفسها، بل مدى انضباطها ضمن النظام الرمزي السائد.
من يخرج عن الإجماع الإعلامي، يُصنّف متطرفًا… لا لمحتواه، بل لموقعه.
مثال 3: "المجتمع الدولي"
مصطلح يُوهم بالتوافق الكوني، بينما يُخفي هيمنة دول معينة وتحيّزها الفج.
يتم تقديمه كحَكَم محايد، بينما هو طرف فاعل ومصالحه هي التي تقرر.
من يصنع المصطلحات؟
في الغالب:
- الأنظمة
- المؤسسات المالية العالمية
- مراكز الفكر الغربية
- الإعلام الكبير المرتبط بها
هم الذين ينتجون المفاهيم ثم يُعيدون تدويرها عبر التعليم، الأخبار، السينما، وحتى شبكات التواصل.
المصطلحات لا تموت… بل تُعاد تدويرها
يتم تجديد المصطلحات كل فترة.
- "الحرب على الإرهاب" أصبحت "محاربة التطرف"
- "الاستعمار" أصبح "تنمية"
- "الوصاية الدولية" أصبحت "دعمًا إنسانيًا"
كل ذلك ضمن هندسة لغوية للواقع تجعل الهيمنة تبدو تعاونًا.
كيف نواجه حرب المفاهيم؟
- لا تأخذ أي مصطلح كأمر مسلّم به
- اسأل: من صاغه؟ ومتى؟ ولماذا؟
- استبدله بمفردة بديلة تكشف الحقيقة
- قل "قمع" بدل "حفاظ على الأمن"
- "احتلال" بدل "نزاع"
- "فرض شروط" بدل "مساعدات"
الكلمة الدقيقة هي موقف سياسي وأخلاقي.
السيطرة على اللغة، هي الخطوة الأولى نحو السيطرة على العقل.
وما لم نُخض حرب المصطلحات بوعي، سيُعاد تشكيل وعينا دون أن نعلم.
عودة إلى: القائمة الرئيسية