الدين والسياسة في تشكيل السرديات التاريخية: من قداسة النص إلى قداسة السلطان

لم يكن التاريخ يومًا محايدًا، خاصة عندما يتداخل فيه المقدس بالسياسي. فالتحالف بين الدين والسلطة لم يُنتج فقط أنظمة حكم، بل أنتج أيضًا سرديات تاريخية مشبعة بالإيمان... ومُحمّلة بالتوظيف. فكيف ساهم هذا التحالف في صياغة الوعي الجمعي؟ وما الذي تم تغييبه باسم "الدين" لصالح السلطة؟

تسييس الرواية الدينية

عبر العصور، أعادت السلطات السياسية كتابة الرواية الدينية التاريخية بما يخدم استقرارها. فتمت أسطرة بعض الحروب كـ"فتوحات"، ووصم معارضين بـ"الضلال"، وتقديم الطاعة السياسية كواجب ديني لا فكاك منه. فاختلط التاريخ الديني بالمصلحة الزمنية، وضاعت الحقيقة بين النصوص المؤولة.

الطاعة باسم المقدس

في العديد من السرديات الرسمية، يُختزل الدين في مفردات الطاعة: للحاكم، للنظام، للوطن. ويُمنح التاريخ السياسي هالة قدسية تمنع مساءلته، وتُروّج لفكرة أن معارضة السلطة تعني معارضة "الإجماع"، أو حتى "الخروج عن الدين".

تغييب التنوع الديني والسياسي

تاريخ الحركات الفكرية والدينية المعارضة، أو المجتهدين الذين خالفوا السائد، تم إقصاؤه من السردية الرسمية. وحتى فترات الصراع بين السلاطين والفقهاء أو بين المدارس الفكرية الكبرى، غالبًا ما يُختزل في سرد بسيط يُمجد السلطة الدينية المتحالفة مع الحكم.

قراءة بديلة: التفريق بين الدين والتوظيف السياسي

الدين، في جوهره، يتحدث عن العدالة والمساءلة والحرية. أما التاريخ الرسمي فقد استخدمه أداة تبرير لا مساءلة. لذلك، فإن تحرير السردية التاريخية من التوظيف السياسي للدين هو شرط لفهم نزيه لما جرى، ومعرفة من خسر ومن استفاد باسم العقيدة.

خاتمة

حين نقرأ التاريخ بعين نقدية، لا نُسيء للدين، بل نُنقذه من التوظيف، ونُنصف المجتمعات التي خُدعت بالرواية الرسمية. التاريخ الذي يُقدّس السلطة باسم الدين، لا يُنقذ الإيمان... بل يُطمسه.

سلسلة: إعادة قراءة التاريخ: ما لم تقله الكتب

أحدث أقدم