الوقت المسروق: لماذا لم نعد نملك لحظاتنا؟

لم يكن الوقت يومًا سلعة. كان نهرًا يجري بإيقاع الطبيعة، يقاس بالشمس لا بالساعات، يُهدر أحيانًا، ويُعاش كثيرًا. لكن في زمن السرعة، لم نعد نعيش الزمن… بل نُطارده. لا نكاد نبدأ يومًا حتى نجده يتسرب من بين أيدينا بلا أثر. السؤال القاسي اليوم لم يعد: كيف نقضي وقتنا؟ بل: هل بقي لنا وقت أصلًا؟ الزمن المملوك… لمَن؟ حين تتحوّل الحياة إلى قائمة مهام لا تنتهي، تُصبح كل لحظة محاصرة بالتنبيهات، والمواعيد، والطلبات، والردود. لم يعد الزمن ملكنا، بل أصبح م…

سقوط المعنى: لماذا نعاني من الفراغ رغم كثافة الحياة؟

في زمن غارق بالتطبيقات، المواعيد، التنبيهات، والتنقلات السريعة بين الشاشات، قد يبدو من العبث طرح سؤال: "لماذا نشعر بالفراغ؟" كل شيء حولنا يعمل، الحياة لا تتوقف، المهام تتوالى، والضوضاء لا تهدأ. ومع ذلك، في عمق هذا الامتلاء الظاهري، تتسلل حالة خفية من العدم ، شعور صامت بأن شيئًا ما ينقص... لا نعرف اسمه، لكنه أساسي: المعنى . الزمن المشغول... والروح الخاوية لم تكن الحياة في السابق سهلة، لكنها كانت مفهومة. كان للعمل معنى، وللعلاقات الاج…

اللاجئ المحاصر: بين منع العمل وغياب المساعدة

تُروَّج فكرة اللجوء في الخطاب الدولي بوصفها انتصارًا للكرامة والإنسانية، وكأن مجرد قبول لاجئ هو فعل نبيل مكتمل. لكن حين نتجاوز الصورة الدعائية، نجد واقعًا مُغايرًا: لاجئون يعيشون في العتمة، بلا حقوق حقيقية، يُمنعون من العمل، ولا يتلقّون ما يكفي للبقاء، وكأن المطلوب منهم هو أن يظلوا أحياء دون أن يكون لهم حق في الحياة. المنع من العمل: سياسة مُتعمدة لا خلل عارض في العديد من البيئات التي تستقبل لاجئين، لا يُمنح هؤلاء الحق في العمل، ليس لأن ذلك مست…

الممانعة المُصمَتة: كيف تحوّلت أنظمة المقاومة إلى أدوات ضبط لا أدوات تحرر؟

في الخطاب السياسي العربي، شكّل شعار "الممانعة" أحد أكثر المفردات استهلاكًا منذ عقود، حيث اقترنت هذه الكلمة بأنظمة تتبنى ظاهريًا موقفًا معاديًا للهيمنة الغربية، ورافضًا للتطبيع مع العدو الصهيوني. لكن حين نضع هذا الشعار تحت المجهر، ونقارن بين مضمونه النظري وممارساته الواقعية، تظهر مفارقة مذهلة: فبعض هذه الأنظمة تحوّلت إلى أدوات ضبط داخلي باسم الخطر الخارجي، وصارت تحكم بقبضة أمنية محكمة، فيما العدو يظل في الخارج… مُعلَّقًا، مُنتظرًا، يُست…

الديمقراطية حسب الطلب: كيف يُعيد الغرب تشكيل أنظمة الحكم في العالم العربي؟

يُكثر الخطاب الغربي من الترويج للديمقراطية كقيمة إنسانية عليا، ويضعها في صلب رسالته السياسية تجاه العالم. لكن حين نمعن النظر في تعامل الغرب مع الديمقراطيات الناشئة في العالم العربي، سرعان ما يتكشّف التناقض الفاضح: فحين تفرز صناديق الاقتراع قوى لا تروق لمصالح واشنطن أو باريس، تُطوى راية الديمقراطية فورًا، وتُطلق يد العسكر أو أدوات الفوضى لإعادة تشكيل الحكم وفق المعايير المطلوبة. هكذا، تتحوّل الديمقراطية من مبدأ إلى سلعة مفصّلة على الطلب، لا يُسمح…

الوصاية المستترة والجبروت الخارجي: تجربة مصر أيام مرسي ضمن واقع الدول العربية

الدول العربية اليوم ليست مجرد دول ذات سيادة كاملة، بل واقعها السياسي والاقتصادي محكوم بـ"وصاية مستترة" تفرضها قوى دولية كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذا الجبر السياسي والاقتصادي يتجاوز مفهوم الاعتماد ليصل إلى فرض خيارات محدودة لا تسمح للبلدان بأن تتخذ قرارات حرة تتماشى مع مصالح شعوبها الحقيقية. في هذا السياق، تبرز تجربة مصر أيام محمد مرسي كنموذج عملي لمحاولة مقاومة هذا الجبر، حيث حاولت حكومة مدنية تمثل إرادة شعبية أن تُعيد لمصر …

السياحة الحرة أم السياحة المُعلّبة؟

بين الحرية والاستهلاك الموجّه : في عصر باتت فيه الحدود سهلة العبور، لم تعد السياحة مجرد انتقال جغرافي، بل تحوّلت إلى خيار ثقافي يعكس نمط الوعي والسلوك . وبين من يسافر بحرّيته متحمّلًا مسؤولية تجربته، ومن ينضم إلى برامج سياحية مصمّمة مسبقًا، تتشكّل فروق جوهرية تتجاوز الراحة والجهد، لتصل إلى مستوى الاستقلالية، والاحتكاك بالحياة الحقيقية، والقدرة على بناء تجربة شخصية حقيقية مقابل استهلاك منتج سياحي جاهز . أولًا: تعريف السياحتين السياحة الحرة …

الغناء في الشارع: لماذا لا يُعتبر تسوّلًا في الغرب؟

قراءة ثقافية في مفاهيم الكرامة والعطاء:  في شوارع أوروبا وأمريكا، يعزف شاب على آلة موسيقية أو يغني بصوته المتواضع، واضعًا أمامه علبة صغيرة مكتوب عليها "شكرًا"، دون أن يطلب المال صراحة. تمرّ الناس، يتوقف البعض، يبتسم، يضع نقودًا، ويكمل طريقه. هذا المشهد مألوف، ويحظى في كثير من المدن الغربية بالقبول، بل يُنظر إليه باحترام. لكن في مجتمعات أخرى، قد يُعتبر هذا الفعل تسوّلًا. فما الذي يجعل الغناء في الشارع مقبولًا، بل مشروعًا ثقافيًا، بينما…

فنزويلا: كيف تُفقّر دولة نفطية؟ وهل أمريكا بريئة؟

قراءة في خلفيات الانهيار الفنزويلي: في مشهد عبثي بات مألوفًا، يصطف المواطنون الفنزويليون في طوابير طويلة لشراء سلع أساسية، فيما بلدهم يحتضن أكبر احتياطي نفطي مكتشف في العالم. تتهاوى العملة المحلية إلى ما دون الورق، وتغيب أبسط مقومات الدولة، ويغادر الملايين الحدود بحثًا عن فتات الكرامة. كيف تحوّلت فنزويلا من رمز لثروات أميركا اللاتينية إلى عنوان للفقر والتضخم والانهيار؟ وهل كانت أمريكا مجرد مراقب؟ أم شريكًا فاعلًا في صناعة الكارثة؟ النفط... من …

بين ثقافة السؤال وثقافة التلقّي

تأمل في بنية التفكير الجماعي:  في زمن يتدفّق فيه المحتوى بلا توقف، من الشاشات إلى المنصات، يبدو أن المعرفة أصبحت متاحة أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، لا تزال الشعوب متفاوتة في وعيها، في قدرتها على التمييز، وفي عمق نظرتها إلى ما يُقدَّم لها. فما الذي يصنع الفرق بين مجتمع حيّ التفكير، يُنتج أسئلته ويشكّك في المسلّمات، وبين مجتمع يعيش في ظلال التلقين، مستهلكًا لما يُلقى إليه؟ إنه الفرق الجوهري بين ثقافة السؤال و ثقافة التلقّي . السؤال بوصفه فعلًا …

التطبيع تحت الركام: هل ما زال ممكنًا بعد غزة؟

لم تكن حرب غزة مجرد مجزرة في ظاهرها العسكري، بل زلزالًا استراتيجيًا هزّ البنية الخطابية لمسار التطبيع العربي ـ الإسرائيلي. أنظمة طبّعت علنًا، وأخرى كانت تنتظر التوقيت المناسب، وجدت نفسها فجأة أمام شعوب غاضبة، وشارع عربي متفجّر لم تعد تنفع معه لغة "السلام مقابل الازدهار". فهل يمكن أن يستمر مشروع التطبيع كما كان؟ أم أن حرب غزة قد فجّرت فيه ما لا يُرمَّم؟ هذا المقال يتناول الفجوة بين مواقف الأنظمة وصوت الشعوب، ويحلل مصير التطبيع بعد أن …

النفاق الحقوقي: أين اختفت منظمات حقوق الإنسان عندما قُصفت الطفولة؟

حين تحوّلت غزة إلى مقبرة جماعية مفتوحة، لم تُسمع أصوات الاحتجاج الحقوقي كما يُفترض. غابت المفردات التي اعتدنا أن تتدفق فور وقوع أي أزمة إنسانية، وتوارى خطاب "العدالة الدولية" خلف جدار الصمت الانتقائي. تساقط آلاف الأطفال تحت القصف، فيما اكتفت كبرى المنظمات الحقوقية بإصدار بيانات رمادية، تحافظ على "توازن لغوي"، كأن الطرفين متساويان في الجريمة. فأين كانت العفو الدولية؟ أين اختفت هيومن رايتس ووتش؟ لماذا لم يُطلق وصف "الإبا…

ترامب ورماد غزة: صفقة فوق الجثث أم نهاية الكذبة؟

بينما تُحتَضر غزة تحت الأنقاض، وتختنق الحياة تحت ركام المجازر، يخرج دونالد ترامب ليُلمّح فجأة بإمكانية إيقاف الحرب. ليس حبًا في أطفال غزة، ولا ندمًا على ما جرى، بل لأن لحظة "جني الأرباح" قد حانت. فبعد أن شبعت إسرائيل من الحريق، وبعد أن استُهلكت آلة القتل الغربية بما يكفي، أصبح وقف الحرب استثمارًا استراتيجيًا، لا موقفًا إنسانيًا. لكن ماذا يعني أن يتحدث ترامب الآن عن السلام؟ وما الذي ستربحه إسرائيل؟ وهل ما زال للفلسطينيين مكسب، بعد أن ص…

الذكاء الاصطناعي والخصوصية: هل نحن على أبواب مراقبة شاملة؟

في زمن يتسارع فيه التطور التكنولوجي بوتيرة لم يسبق لها مثيل، يقف العالم أمام مفترق طرق خطير، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مزدوجة الوجه، تحمل في طياتها إمكانات هائلة للتحرير، وفي الوقت ذاته تهديدًا جادًا لخصوصية الأفراد وحرياتهم. لا تُعد تقنيات المراقبة الجديدة مجرد أدوات تقنية، بل هي آليات تتحكم في مصائر المجتمعات، وتعيد تشكيل مفاهيم الحرية والسلطة. تحولات في مفهوم الخصوصية: من الحق إلى التحدي الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الخصوصية، فليس الأمر…

تربية الجذور لا القشور: لماذا نحتاج لإعادة بناء الإنسان من الداخل؟

في سباق الزمن المعاصر، تحوّلت التربية من بناء للإنسان، إلى تجهيزٍ لكائن "ناجح"، "متفوق"، "مناسب للسوق". أصبحت وظيفة المربي – في البيت أو المدرسة – أن يصنع من الطفل منتجًا متكيّفًا، لا إنسانًا متجذرًا. لكن ماذا لو كان هذا النجاح الظاهري يُخفي هشاشة داخلية؟ ماذا لو كنّا نربّي أبناءنا ليحسنوا الأداء... دون أن نمنحهم جذورًا نفسية وفكرية تحميهم من الانهيار؟ هذا المقال محاولة لتفكيك مظاهر "التربية السطحية"، و…

اقتصاد الثقة الكاذبة: لماذا نشتري الأمل ونخسر الواقع؟

في قلب الاقتصاد الحديث، لا تُشترى دائمًا السلع والخدمات، بل كثيرًا ما يُشترى "الوعد"، ويُباع "الإيمان"، ويُتداول "الاحتمال". ما يُضخّم الأسواق ليس دائمًا إنتاجًا حقيقيًا أو قيمة مادية، بل ثقة جماعية هشّة، تُبنى غالبًا على آمال وردية، وإعلانات براقة، ونماذج نمو خادعة. في هذا العالم، يُصبح الوهم أصلًا ماليًا ، ويُعامل الحلم كما لو كان حصة في شركة، والنتيجة: اقتصاد قائم على فُقاعات تُنفَخ بالثقة وتنفجر عند أول نسمة شك…

الناجح المُنهك: عندما يصبح الإنجاز سجنًا ناعمًا

في الزمن الذي يُقاس فيه كل شيء بالأرقام، أصبح النجاح عبئًا لا يُحتمل. لم يعد إنجازًا داخليًا ينبع من النضج والتطور، بل تحوّل إلى عرضٍ عام، استعراضٍ دائم، ومقارنة لا تنتهي. الناجح لا يستريح، بل يعيش في سباقٍ مع ظله، يُطالب بالمزيد دائمًا، ويُخشى عليه من التوقف، لأن التوقف يُفهم كفشل. هكذا تحوّل النجاح من حلم يُلهِم إلى كابوس ناعم يُنهك صاحبه من حيث لا يدري. من يملك تعريف "النجاح"؟ في عمق الأزمة يكمن سؤال بسيط وخطير: من يُقرر أن هذا …

الإنسان الظل: حين يُفكر الذكاء الاصطناعي بدلًا عنك

في لحظة عابرة من الزمن، تحوّل الإنسان من كائن يسعى لفهم العالم، إلى مستهلك جاهز للإجابات. لم تعد الأسئلة تُطرح بحثًا عن المعنى، بل تُصاغ عبر خانات البحث، ويُنتظر أن يجيب عنها كيان غير مرئي، سريع، دقيق، محايد على ما يبدو: الذكاء الاصطناعي . ولكن، حين تُسلّم أدوات التفكير لكائن خارجك، ولو كان أذكى، هل تبقى أنت ذاتك؟ أم تصبح ظلًا فكريًا ، تتحرك بأوامر برامج تتوقع ما ستسأل، وتقرر ما يستحق أن تعرفه؟ هل نستخدم الذكاء الاصطناعي؟ أم نستعير عقولًا جاهز…

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج