
في زمنٍ تُصمَّم فيه الحواس كما تُصمَّم الإعلانات، لم يعُد الذوق فعلًا إنسانيًا بريئًا، بل أداة ناعمة تُوجَّه بها الرغبات وتُدار بها العواطف.
لقد تحوّل الطعم — الذي كان تعبيرًا عن خصوصية الإنسان وذاكرته وثقافته — إلى منتَجٍ خاضع لمعادلات السوق؛ تُحدَّد لذّته بالعرض والطلب، لا بالوجدان.
لم تعد الحواس نافذةً على العالم، بل قنواتٍ تجارية تمرّ عبرها الرسائل المبرمجة.
محاولة لتفكيك هذا التحوّل الخفي:
من السيطرة على الحواس إلى تسليع المعنى نفسه،
ومن صناعة النكهة إلى صناعة الهوية.
فكل ما نراه، ونشمه، ونتذوقه، لم يعُد مجرد إحساس، بل خطاب اقتصادي يخاطب وعينا، ويعيد تشكيل ذوقنا ليخدم منظومة الاستهلاك الكبرى.
بهذا المعنى، الذوق لم يعُد طابعًا شخصيًا، بل أيديولوجيا حسية تُعيد صياغة الإنسان من الداخل، حتى يغدو «عديم الطعم» في عالمٍ تتكاثر فيه النكهات.
إنها رحلة فكرية تكشف كيف استُبدلت الحواس بالرموز، والذاكرة بالإعلان، واللذة بالامتثال..
