
ولكن ثمة نقطة محورية يُغفلها كثيرون: حين يرفع البنك المركزي الفائدة أو يخفضها، فهو لا يستهدف استثمارات الناس البنكية بالدرجة الأولى، بل يوجّه سلوكيًّا القروض والتمويلات التي يحصل عليها الأفراد والشركات. الفائدة ليست علاوة على مدخراتك، بل عبء على قروضك.
أولًا: الفائدة أداة لضبط سلوك الاقتراض
عندما نتحدث عن رفع أو خفض الفائدة، فإننا نتحدث بالأساس عن تكلفة الاقتراض. هل من السهل على الشركات أن تستدين لفتح مصنع جديد؟ هل من المربح للفرد أن يقترض لشراء سيارة أو عقار؟ أم أن الفائدة المرتفعة تجعل من الاقتراض عبئًا قد يفوق العائد؟
إذن، الفائدة ليست "هدية من البنك للمودعين"، وإنما أداة لسلوك السوق.
رفعها = تقييد القروض.
خفضها = تشجيع الاقتراض.
دوافع رفع الفائدة
-
كبح التضخم:
عندما ترتفع الأسعار بسرعة، يلجأ البنك المركزي لرفع الفائدة لكبح الاستهلاك الزائد، وبالتالي تهدئة السوق. -
منع فقاعة أصول:
في حال ارتفعت أسعار العقارات أو الأسهم بفعل تمويل مفرط، يتم رفع الفائدة لتقليل التدفقات التمويلية. -
دعم العملة المحلية:
الفائدة المرتفعة تُغري المستثمرين الأجانب بشراء أدوات الدين المحلية، ما يعزز سعر الصرف.
دوافع خفض الفائدة
-
تحفيز النمو:
في أوقات الركود أو الضعف الاقتصادي، يُخفض البنك المركزي الفائدة لتشجيع الاقتراض والاستثمار. -
مواجهة بطالة:
تكلفة تمويل منخفضة تعني فرصًا أكثر أمام الشركات للتوسع، ما يخلق وظائف. -
تجنّب الانكماش:
في بعض الحالات، يكون الخطر الأكبر هو الانكماش الاقتصادي وليس التضخم، وهنا تلزم جرعة سيولة.
التأثير على العملاء: الفائدة والقروض الشخصية
ما الذي يعنيه هذا للمواطن العادي؟
- إذا كنت تفكر في قرض سكني أو سيارة أو استهلاكي، فإن رفع الفائدة سيزيد قسطك الشهري وقد يقلل من فرص الموافقة.
- أما إن كنت مستثمرًا، فرفع الفائدة يخفض أرباح الشركات (لأن تكلفة تمويلها تزيد)، ما قد يضغط على الأسهم والعوائد.
وبالتالي، فإن الفائدة تمسّ المقترض أكثر من المودِع. إنها تتعلّق بتكلفة الدين، لا بربحية الإيداع.
التأثير العالمي للفائدة
رفع الفائدة في دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، يُشعل تفاعلًا متسلسلًا عبر العالم:
- الدول النامية تشهد هروب رؤوس الأموال.
- العملات المحلية تنهار لصالح الدولار.
- تكلفة الدين السيادي في الأسواق الناشئة ترتفع.
- السلع العالمية (كالذهب والنفط) تتذبذب بحسب اتجاه الفائدة الأميركية.
خلاصة تحليلية
قرار الفائدة لا يتعلّق فقط بالرسوم البيانية، بل يُعبّر عن فلسفة اقتصادية تُقرّر: هل نُقيد الاقتصاد أم نُحرّره؟ هل نخشى التضخم أم نحاول الهروب من الركود؟
لكنه بالدرجة الأولى، قرار يُؤثر على قدرة الناس على الاقتراض والإنتاج والشراء، وليس على أرباحهم من حساب التوفير. الفائدة أداة تهذيب لقنوات التمويل، لا مكافأة للمدخرين.