
في هذا العالم، يُصبح الوهم أصلًا ماليًا، ويُعامل الحلم كما لو كان حصة في شركة، والنتيجة: اقتصاد قائم على فُقاعات تُنفَخ بالثقة وتنفجر عند أول نسمة شك.
ما هي الفقاعة الاقتصادية؟ ولماذا تتكرر؟
الفقاعة هي ببساطة: فرق شاسع بين القيمة الحقيقية والطلب المصنوع. تبدأ عادةً بحماس مشروع: تكنولوجيا جديدة، عقار، عملة رقمية... ثم تتضخم بفعل المضاربة، والإعلام، وطمع الجماهير، إلى أن يفقد الأصل علاقته بجوهره.
تُشترى العقارات لا للسكن، بل لإعادة البيع. تُشترى العملات الرقمية لا كأداة دفع، بل كأمل في الثراء السريع. وتُضخّ الأموال في شركات لم تُحقق ربحًا قط، فقط لأن الجميع يؤمن أنها "ستنفجر" صعودًا.
لكن ما إن تهتز الثقة، حتى تنفجر الفقاعة. لا لأن الأصل فقد قيمته، بل لأن الوهم انهار.
هل نحن نشتري الأصل... أم الإيمان به؟
في الفقاعات، ما يُباع فعلًا ليس الأصل، بل الرغبة الجماعية فيه. السعر لا يعكس الإنتاجية أو الجودة، بل يعكس حجم التوقع. وكلما زاد الداخلون إلى السوق، كلما ارتفع السعر، لا لشيء إلا لأن "الجميع يشتري"، فيصبح الحشد هو الدليل، وليس المنطق أو التحليل.
وبذلك، يصبح الأصل الثمين ليس البيت، ولا السهم، بل الثقة الجماعية المؤقتة. السوق هنا لا يقيس القيمة، بل يقيس درجة الحماسة.
الإعلام والتضليل المالي: كيف يُباع الوهم؟
تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في صناعة الفقاعة. تقارير متفائلة، خبراء يتحدثون عن "الثورة المقبلة"، مقالات بعنوان "لماذا فاتك القطار؟"، صور شبان صاروا أثرياء بـ"صفقة واحدة". وتُضخّ مشاهد استهلاكية مفرطة تقترن دومًا بالثراء السريع.
هكذا يُبنى الخطاب: من لا يشارك، متأخر. ومن لا يخاطر، خائف. وتُختزل الحكمة في كلمة: "اشترِ الآن، قبل أن يفوت الأوان".
لكن ما لا يُقال هو أن أغلب الأرباح تُجنى في البداية، على يد من صنع الفقاعة، ويُترك البقية ليخسروا في النهاية.
هل العملات الرقمية والذكاء الاصطناعي فقاعات جديدة؟
بعض التطبيقات الحديثة تُبنى على تكنولوجيا حقيقية، لكن السوق لا يقيمها على أساس واقعي، بل على أساس التوقعات. شركات لم تُحقق دخلًا بعد تُقوَّم بمليارات. عملات لا وظيفة لها تُتداول بمليارات الدولارات.
نحن لا نتهم التقنية، بل نحذر من الإفراط في الإيمان بها دون أساس. لأن الحماسة المطلقة بلا عقل تُنتج دائمًا فقاعة.
الذكاء الاصطناعي ليس فقاعة بحد ذاته، لكنه اليوم يُستخدم لتبرير استثمارات خيالية لا تستند إلى شيء سوى "الخوف من الفوات".
الاقتصاد النفسي: حين تتحكم المشاعر في السوق
الأسواق لا تتحرك فقط بالأرقام، بل بالمشاعر: الخوف، الطمع، الأمل، الذعر.
وفي هذا الإطار، لم يعد الاقتصاد محكومًا بالإنتاج، بل بـ"السردية" المحيطة به.
كل أصل اليوم هو قصة. وكل سهم هو وعود. وكل فشل يُمكن أن يُباع بنجاح إذا أُعيدت روايته جيدًا.
إننا نعيش عصر الاقتصاد الرمزي، حيث القيمة ليست في الأصل، بل في معناه المتداول.
خاتمة: نحو اقتصاد حقيقي لا يحتقر الوعي
الفقاعات لن تتوقف طالما بقيت الثقة تُوزَّع بسذاجة، والأوهام تُباع بلا مساءلة، والإعلام يُطبّل للصعود ويصمت عن الانهيار.
إن الاقتصاد لا يصبح صحيًا حين ترتفع الأسواق، بل حين تستند الأسعار إلى القيمة، لا إلى الحشد.
نحتاج إلى وعي نقدي يُفرّق بين النمو الحقيقي والتضخم الزائف، بين الاستثمار والتلاعب، بين المستقبل كفرصة والمستقبل كفخّ.
لأن الذي يشتري الأمل دون وعي، غالبًا ما يدفع الثمن من الواقع.