
في الأسبوع نفسه الذي شهد توقيع اتفاقيات تسليحية أمريكية جديدة في الخليج، كانت غزة تغرق تحت وابل من القصف، وتتصاعد أعداد الشهداء، ومعاناة المحاصرين تتضاعف. المفارقة لم تكن في التوقيت فقط، بل في الصمت المطبق، أو بالأحرى، الدعم الأمريكي العلني لإسرائيل، باعتبار ما تفعله "دفاعًا عن النفس"، في حين تُرفع معايير "التهديد" عندما يتعلق الأمر بإيران أو جماعات مقاومة.
سياسة المصالح لا المبادئ
السياسة الأمريكية لطالما بُنيت على أساس المصالح أولًا، أما المبادئ، فتأتي لاحقًا، إذا أتت. في الخليج، تمثل الأنظمة المستقرة والثروات الضخمة ركيزة استراتيجية لأمريكا، سواء عبر صفقات السلاح، أو عبر تمركز القواعد العسكرية. أما في فلسطين، فالمعادلة مختلفة: لا ثروات تُجنى، ولا قواعد تُبنى، بل مقاومة لا تتماهى مع الرؤية الأمريكية للمنطقة.
وبينما تُمارس أمريكا ضغوطًا هائلة على بعض الدول العربية لـ"التطبيع" مع إسرائيل، تغض الطرف عن الجرائم التي تُرتكب في غزة، بل وتُعرقل، عبر الفيتو، أي مساعٍ دولية لإدانة العدوان.
ابتسامات صفراء وأموال بلا كرامة
في كل زيارة لمسؤول أمريكي رفيع إلى الخليج، تُستقبل الوفود بابتساماتٍ رسمية، ويُغدق الإطراء على "الكرم العربي" الذي بات خاضعًا تحت مظلة الاستراتيجية الأمريكية. تُوقّع الصفقات وتتجاوز قيمتها التريليون دولار، بينما يقدَّم المال بسخاء، وتُقدَّم الأوطان على صواني المجاملة. لكن خلف تلك الابتسامات الصفراء، يختبئ إدراك واضح بأن "الشراكة" المقصودة ليست متكافئة، بل قائمة على معادلة واضحة: واشنطن تأخذ المال، وتبيع الوهم، وتُعطي الضوء الأخضر حيث يلزم، حتى لو كانت النتيجة مزيدًا من الدمار في غزة.
سلاح للردع... أم للرضوخ؟
الأسلحة التي تُغرق بها أمريكا منطقة الخليج تحت شعار الردع، لا تُستخدم في مواجهة الاحتلال، بل تُحوَّل أحيانًا إلى أدوات قمع داخلي أو لفرض توازنات إقليمية تخدم بقاء الوضع الراهن. إنها "أمننة" المنطقة لصالح الاستقرار الأمريكي، لا استقرار الشعوب.
هذا ما يجعل يد أمريكا التي تمتد إلى الخليج، يدًا تأخذ، بينما يدها الأخرى في غزة، تُبرّر القتل، وتُحرك صفقات الذخائر التي تصبّ فوق رؤوس الأطفال.
ختامًا
ازدواجية السياسة الأمريكية بين الخليج وفلسطين لم تعد خافية على أحد. فبينما يُطلب من العرب الانخراط في تحالفات استراتيجية مكلفة، لا يجد الفلسطينيون سوى بيانات دعم لفظية، وتغطيات إعلامية لا تتجاوز الإدانة الشكلية. هذه السياسة المزدوجة ليست فقط أخلاقية معيبة، بل استراتيجيًا محفوفة بالمخاطر، لأنها تعمق فجوة الثقة، وتغذي مشاعر الغضب والرفض في شعوب المنطقة، التي لم تعد ترى في واشنطن وسيطًا نزيهًا، بل طرفًا في معادلة القتل.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
