
1. الطاقة: استثمار في التحكم لا في التنمية
الاستثمار الأمريكي في قطاع الطاقة في الخليج – وخاصة النفط والغاز – لا يهدف إلى تطوير قدرات الدول المنتجة، بقدر ما يسعى إلى ضمان استمرار تدفق الطاقة بشروط السوق الأمريكية، وضبط أسعار النفط بما يخدم الاقتصاد الغربي. فالوجود الأمريكي في منشآت أرامكو، مثلاً، لا يقتصر على التقنيات والخبرات، بل يمتد ليشمل التأثير في القرارات السيادية المرتبطة بالإنتاج والسياسات التسويقية.
هذا النمط من "الاستثمار" ليس محايدًا، بل هو جزء من منظومة السيطرة على ما وصفه كارتر يوماً بأنه "مورد استراتيجي لا يمكن تركه لقوى معادية".
2. الصناعات الدفاعية: تدوير المال لا نقل المعرفة
الاستثمارات الأمريكية في الخليج تشمل مليارات الدولارات في صفقات التسلح، ولكن هذه الصفقات لا تبني قدرات عسكرية مستقلة بقدر ما تكرس التبعية التقنية والعملياتية. دول الخليج تنفق بسخاء على شراء طائرات ومعدات من شركات أمريكية كـ"لوكهيد مارتن" و"رايثيون"، لكن دون أن تمتلك حق التصنيع أو حتى الصيانة الكاملة.
وهكذا تتحول الاستثمارات الدفاعية إلى آلية لإعادة تدوير الثروة الخليجية إلى الاقتصاد الأمريكي، دون بناء قاعدة تكنولوجية محلية.
3. التكنولوجيا والبنى التحتية: حضور انتقائي وليس تنمويًا
على عكس ما قد يُعتقد، فإن الاستثمارات الأمريكية في قطاعات مثل الاتصالات، الطاقة المتجددة، أو البنية الرقمية في الخليج تأتي انتقائية، تركز على ما يحقق للولايات المتحدة حضورًا استخباريًا أو تحكمًا استراتيجيًا (مثل شبكات الجيل الخامس، ومراكز البيانات)، دون أن تُترجم إلى مشاريع سيادية مكتملة.
مثال ذلك: دعم أمريكي لإنشاء مراكز بيانات في الخليج، لكن مع اشتراطات صارمة على الشراكات التقنية، والسيطرة على بوابات العبور السيبراني، ما يجعل "الاستثمار" أقرب إلى عملية رقابة تقنية منه إلى دعم اقتصادي.
4. القطاع المالي: مراقبة لا دعم
الاستثمارات الأمريكية في القطاع المالي الخليجي لا تهدف لتنشيط السوق أو تطوير الأدوات المالية، بل لمراقبة حركة رؤوس الأموال، وضمان عدم خروج الخليج عن المنظومة المالية العالمية التي تهيمن عليها واشنطن (مثل نظام SWIFT، ومراقبة التحويلات عبر البنوك الكبرى).
كما أن وجود شركات استثمار أمريكية كبرى في الخليج، مثل "بلاك روك" أو "جي بي مورغان"، يأتي في سياق مراقبة اتجاهات الاستثمارات السيادية الخليجية وتوجيهها نحو الأسواق الغربية.
5. الاستثمار الإعلامي والثقافي: هندسة الوعي
من أخطر أشكال الاستثمار الأمريكي في الخليج، ما يتم عبر المؤسسات الثقافية، الجامعات الأجنبية، ومراكز الأبحاث، التي تقدم نفسها كأدوات "تنوير" لكنها تعمل على تصدير رؤية أمريكية للعالم والسياسة والتاريخ، تعيد تشكيل وعي النخب الخليجية.
استثمارات مثل جامعة جورجتاون أو كارنيجي في الدوحة وأبوظبي ليست أكاديمية فقط، بل أدوات ناعمة لإعادة إنتاج النخب وفق مفاهيم "الليبرالية الموجهة" التي تخدم استقرار المنظومة الحليفة لأمريكا، لا استقرار المجتمعات.
خلاصة: استثمار بلا سيادة
ما يسمى بـ"الاستثمار الأمريكي في الخليج" هو في حقيقته أدوات لتثبيت الهيمنة لا لبناء تنمية مستقلة. فالمعركة الحقيقية ليست على الأرباح، بل على النفوذ. وما لم تعِ دول الخليج هذه المعادلة، فإنها ستظل تموّل استقرار واشنطن على حساب مستقبلها.