
هذا السؤال الجوهري يفتح الباب لنقاش نقدي يتجاوز المظاهر نحو الجوهر.
سؤال "هل البنوك الإسلامية نظام مالي إسلامي أم مجرد تغيير في المسميات؟" هو من الأسئلة النقدية الجوهرية التي تستحق تناولًا تحليليًا دقيقًا، لأنها تمس جوهر العلاقة بين الشريعة الإسلامية والواقع الاقتصادي المعاصر. دعنا نُحلل المسألة من زاويتين: النظرية والواقع.
أولًا: الإطار النظري – ما الذي يُفترض أن تكون عليه البنوك الإسلامية؟
البنوك الإسلامية نشأت بوصفها محاولة بديلة عن البنوك الربوية التقليدية، تقوم على أساس رفض التعامل بالفائدة (الربا)، وتبني آليات تمويل متوافقة مع الشريعة، مثل:
- المرابحة (شراء السلعة ثم بيعها بهامش ربح)
- المضاربة (تمويل المشاريع على أساس تقاسم الربح والخسارة)
- المشاركة (شراكة حقيقية في الاستثمار)
- الإجارة (تأجير الأصول بدلاً من الإقراض)
من حيث المبدأ، فإن هذه الأدوات تتماشى مع الرؤية الإسلامية التي تُحرّم الربا، وتشجع على التمويل القائم على المخاطرة والتشاركية بدلًا من التمويل القائم على الضمانات والفوائد الثابتة.
ثانيًا: الواقع العملي – هل تطبق البنوك الإسلامية فعليًا هذا النموذج؟
هنا تظهر الإشكالية الكبرى.
في الواقع، كثير من البنوك التي تُسمّى "إسلامية" لا تختلف جوهريًا عن البنوك التقليدية من حيث الهيكل المالي والأهداف. الفروق في أغلب الحالات تكون شكلية لا جوهرية:
- تتحول الفائدة إلى "ربح مرابحة" لكنه في الغالب مضمون وثابت مثل الفائدة، دون مخاطرة حقيقية.
- يتحول القرض الربوي إلى "بيع بالتقسيط"، لكن من دون شراء فعلي للبنك للسلعة أو تحمّلها للمخاطرة.
- تتم صفقات "المشاركة" التي في ظاهرها مشاركة، لكنها في حقيقتها قروض مضمونة الأرباح.
- تُصاغ العقود وفق نماذج فقهية "مُكيّفة"، لكن النتيجة العملية واحدة: تمويل بفائدة مضمونة.
بمعنى آخر: تم استنساخ النموذج البنكي الربوي، وتغليفه بمصطلحات شرعية، مع وجود "هيئات رقابة شرعية" تُضفي شرعية شكلية، بينما تغيب الرقابة الحقيقية على التطبيق والنيات والآثار الاقتصادية.
ثالثًا: من المسؤول عن هذا الانحراف؟
الانحراف ليس ناتجًا عن فكرة "التمويل الإسلامي" بحد ذاتها، بل عن:
- هيمنة البنية الرأسمالية العالمية على النظام المالي، ما يجعل البنوك الإسلامية مُضطرة للتكيف داخل منظومة قائمة على الفائدة والضمانات.
- ضعف الإرادة السياسية لإنشاء نظام اقتصادي بديل متكامل، لا مجرد بدائل جزئية داخل النظام الرأسمالي.
- استسهال الحلول الشكلية من قبل بعض الهيئات الشرعية، وغياب النقد الذاتي داخل المؤسسات الإسلامية.
خلاصة نقدية
إذًا، هل البنوك الإسلامية نظام مالي إسلامي؟ الجواب: نظريًا نعم، لكن عمليًا لا في معظم الحالات.
هي محاولة جزئية، لكن تم تفريغها من مضمونها، وأصبحت في كثير من الأحيان مجرد تغيير في المسميات، يخلق وهمًا شرعيًا يُطمئن الضمير الديني للمستهلك المسلم، دون أن يغيّر فعليًا من منطق الربح، والاستغلال، والمركزية الرأسمالية في النظام المالي.