فروق: القرن المكسور: لماذا لم تنهض أمة تملك مفاتيح الخلاص؟

Friday, May 16, 2025

القرن المكسور: لماذا لم تنهض أمة تملك مفاتيح الخلاص؟

ليست الكارثة أن نسقط، بل أن نعتاد السقوط حتى يصبح وجهًا آخر للحياة.. أمة تمتد من المحيط إلى الخليج، تجمعها السماء وتفرّقها الأرض، تدور في الفراغ منذ قرن كأنها خُلقت لتعجز.. كل مقومات النهوض كانت حاضرة، وكل فرص الانعتاق مرّت، ثم اغتيلت في وضح التاريخ.
لا ينقصنا العقل، بل المسار. لا نفتقر إلى الثروات، بل إلى من يحرّرها من أسر الخيانة.. لا نرثي قرنًا مضى… بل نفضح كيف صيغ ليكون قرنًا مكسورًا.


السؤال الذي ظل يتوارى خلف الحكايات القومية والشعارات المفرغة آن له أن يُقال بصوتٍ عارٍ: لماذا لم تنهض هذه الأمة؟

أمةٌ بلسانٍ واحد، ودينٍ واحد، وذاكرة تاريخية تضجّ بالفتوحات والعلوم، تحتل قلب الجغرافيا، وتملك فوق الأرض ما يشعل الحروب تحت الأرض… ومع ذلك، لا تنهض. بل تسقط، وتُسقَط، ثم يُمنع عنها حتى حق السؤال.


إجهاض ممنهج… منذ قرن

من سقوط الخلافة إلى لحظة كتابة هذا المقال، لم تُترك محاولة نهوض إلا واستُهدفت. لا بالصدفة، بل بالتخطيط. لا بالسلاح وحده، بل بالخيانة المتقنة. قُتلت النهضة في المهد، مرة على يد المستعمر، ومرة باسم الوطن. خُنقت بالانقلابات، شوّهت بالدعاية، سُمّمت بالتفكك الداخلي.

وكلما تشكلت ملامح مشروع جامع، جاء من يطعنه من الظهر: اتفاقية، انقلاب، حرب، فتوى، قرض. بدا وكأن قدر هذه الأمة أن تعيش في مرحلة "ما قبل المشروع"، تُهيّج ثم تُخدّر، تُوعَد ثم تُخدع.


العدو بيننا… لا أمامنا

لم يعد العدو هو الجندي الأجنبي، بل أصبح الوزير المحلي، والجنرال، والمثقف المستأجَر. الاستعمار تغيّر شكله، ولم يغادر. بل تأنّق، وارتدى بذلة، وكتب بيانات السيادة. أصبح التبعية "تحالفًا"، والتفريط "حكمة"، والانبطاح "توازنات إقليمية".

والأنظمة، بدورها، لم تكن حارسة على الشعوب، بل حارسة على خضوعها. صادرت السياسة باسم الاستقرار، واحتكرت الدين باسم الاعتدال، وداست على التاريخ باسم الحداثة. حتى الحركات التي خرجت من رحم الأمة، إما أُفرغت من مضامينها، أو التهمتها اللعبة الدولية.


المقوّمات قائمة… والنهضة غائبة

من يراجع خرائط القوة، يكتشف أن الأمة العربية لا تفتقر للثروات، ولا للمقومات. اللغة واحدة، العقيدة واحدة، الروابط التاريخية راسخة، الأسواق مترابطة، الموارد هائلة. لكنها تفتقر لشيء واحد: الإرادة الواعية الجماعية.

تلك الإرادة التي سُحقت منذ رسمت لنا الحدود، وغُرست فينا الهويات القطرية المصطنعة. حين تقاتل الأخ الشقيق، وتُستباح العواصم من داخلها، وينقسم التاريخ إلى طوائف، يصبح النهوض مستحيلًا، مهما امتلكت من الذهب والنفط والعدد.


جيل جديد… وسؤال قديم

رغم الردم، هناك جمرٌ لا ينطفئ. جيل جديد يخرج من تحت الركام، لم يبتلع الرواية الرسمية، ولم يشترِ البضاعة الفاسدة التي يروّجها الإعلام.
جيل يسأل: من نحن؟ لماذا تأخرنا؟ من خدعنا؟ وما الثمن الذي يجب دفعه لنستعيد القدرة على أن نحلم بجدية؟

لكن هذا الوعي الناشئ محاصر، لا يُسمح له أن يعبّر، ولا أن يتنظّم، ولا أن يحلم خارج القوالب المسموحة. كل محاولة تفكير تُتهم بالتطرف، وكل محاولة تغيير تُصنّف مؤامرة.


هل نفتح الباب الأخير؟

إنه ليس باب الإصلاح البطيء، ولا باب الانتخابات الشكلية، بل باب الصدمة. صدمة تعيد تعريف العدو، والهوية، والهدف. صدمة تستعيد القرار من الممسوخين، وتعيد الكلمة للشعوب.
هذا الباب لا يُفتح إلا بشجاعة الخروج من وهم الواقع، والإيمان بأن التاريخ ليس قبرًا، بل كتاب لم يُكمل سطوره.

هذا هو القرن المكسور. قرنٌ من المحاولات المصادرة، والأحلام الممنوعة، والنهوض المؤجل.
لكن ما لم نكسر نحن هذه الحلقة، سندخل قرنًا جديدًا… أكثر انكسارًا، وأقل أسئلة.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .