
قبل أن يصلها الإسلام، وقبل أن يطأها الاستعمار، كانت جزر إندونيسيا موطنًا لحضارات بحرية مذهلة، مدّت جسور التجارة والفكر والدين من الهند إلى الصين، ثم تلاشت خلف أمواج التاريخ المكتوب بلغة الغزاة.
سريفيجايا: إمبراطورية البحر التي علّمت بوذا
في سومطرة، نشأت إمبراطورية سريفيجايا (القرن 7 – القرن 13 م)، وكانت قوة بحرية ضاربة سيطرت على مضيق ملقا، وربطت التجارة بين الهند والصين. لم تكن مجرد مرفأ للتجارة، بل مركزًا لنشر البوذية، جذبت آلاف الدارسين من آسيا. ارتبطت ثقافيًا بسريلانكا والهند، وظل تأثيرها قائمًا لقرون.
لكن مع تحوّل طرق التجارة، وتفكك المركزية، وظهور ممالك منافسة مثل ماجاباهيت، تراجعت سريفيجايا واختفت.
ماجاباهيت: الحلم السياسي الموحد قبل أن يتبخر
لاحقًا، في جاوة، قامت مملكة ماجاباهيت (1293–1527 م)، التي بلغت ذروتها في القرن 14، وتمكّنت من توحيد أجزاء واسعة من الأرخبيل. كانت ذات نظام بيروقراطي مركزي، ونخبة متعلمة، وشهدت ازدهارًا في الأدب والفنون والعمارة الهندوسية والبوذية. يعدها الإندونيسيون اليوم نواة حلمهم الوطني القديم.
لكنها لم تصمد أمام الانقسامات الداخلية وصعود الإسلام في الموانئ، فانحسرت تدريجيًا حتى أُسقطت سياسيًا في القرن السادس عشر.
بين البحر والدين: كيف تغيّرت الموازين؟
كان البحرُ هو الطريق وهو الحدود. بفضل مهارات الملاحة، انتشرت الديانات، ونُقلت العمارة والفكر، وتكونت شبكات ثقافية متصلة بالعالم الهندي. لكن نفس هذا البحر فتح الأبواب لاحقًا للتوسع البرتغالي ثم الهولندي، فاستُبدلت الحضارة بالاستعمار.
ما الذي اندثر فعلًا؟
الحضارات لم تختفِ تمامًا، لكنها تراجعت من مركز الفعل إلى هوامش الذاكرة. ما زالت المعابد القديمة كـ"بوروبودور" شاهدة، وما زال الأدب الجاوي يهمس بحكايات المجد القديم. لكن معظم السرديات الرسمية تبدأ من مجيء الإسلام، ثم الاستعمار، وكأن ما قبل ذلك كان فراغًا.
كلمات مفتاحية: حضارات إندونيسيا، سريفيجايا، ماجاباهيت، بوروبودور، التاريخ البحري، الممالك الهندوسية، البوذية في آسيا، الحضارات البحرية، الإسلام في إندونيسيا، البرتغاليون والهولنديون، مضيق ملقا، تفوق حضاري، أرخبيل الملايو
وصف الصورة المقترحة: مشهد أفقي يصوّر معبد بوروبودور وسط غابة ضبابية خضراء، تتقدمه سفن شراعية قديمة من طراز سريفيجايا تبحر فوق مياه صافية، وفي السماء رموز دينية هندوسية وبوذية تذوب في الغيم، ترمز للتنوع الحضاري الذي حمله البحر.