الثورة البلشفية (1917): حين وُلدت الشيوعية على جثة القياصرة واهتزّ العالم لعقود

لم تكن ثورة جياع فحسب، بل انقلابًا على نظام الحياة، ودعوة لإعادة صياغة التاريخ بمنظور صراع الطبقات، لا الملوك ولا الأنبياء.

في خضمّ الحرب العالمية الأولى، وفي قلب روسيا المتداعية، انفجرت ثورة لم تكن مجرد احتجاج شعبي على الفقر، بل لحظة مفصلية في التاريخ الإنساني. تحوّلت الإمبراطورية القيصرية إلى دولة شيوعية، وولد الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى سرعان ما أصبح نقيضًا صريحًا للنظام الرأسمالي العالمي.


أولًا: الحدث – ماذا وقع في 1917؟

في فبراير من ذلك العام، أطاحت مظاهرات عارمة في بتروغراد (سانت بطرسبورغ) بالنظام القيصري، فاضطر القيصر نيقولا الثاني للتنازل عن العرش. شكّلت حكومة مؤقتة برئاسة كيرنسكي، لكن لم تدم طويلًا.

في أكتوبر، قاد فلاديمير لينين وحزبه البلشفي انقلابًا على تلك الحكومة، وأعلن قيام "ديكتاتورية البروليتاريا"، واضعًا الأساس لدولة ماركسية لأول مرة في التاريخ.


ثانيًا: الأسباب – ما الذي مهّد للثورة؟

  1. الفقر المدقع واللامساواة: روسيا كانت تدار بعقلية القرون الوسطى، بينما شعبها يموت جوعًا تحت عباءة الأرستقراطية.
  2. هزائم روسيا في الحرب العالمية الأولى: فقدان الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية، وسقوط عشرات الآلاف من الجنود بلا جدوى.
  3. ضعف القيصر وتفكك الدولة: سلالة رومانوف أصبحت عبئًا على الأمة، وقراراتها ارتجالية ومنفصلة عن الواقع.
  4. صعود الفكر الماركسي: الطبقة المثقفة الثورية، من أمثال لينين وتروتسكي، وجدت في كتابات ماركس نظرية جاهزة للتطبيق على البؤس الروسي.
  5. تراكم الثورات السابقة: الثورة الفاشلة في 1905 كانت إنذارًا مبكرًا، لكنها قُمعت بوحشية، ما جعل الانفجار القادم أكثر شراسة.


ثالثًا: التداعيات – ماذا خلّفت الثورة؟

  1. حرب أهلية روسية دموية (1917–1922): راح ضحيتها الملايين، بين البلاشفة (الحمر) والبيض (القوى المضادة للثورة).
  2. تأسيس الاتحاد السوفيتي (1922): أول دولة شيوعية في التاريخ، تقودها نخبة ثورية باسم العمال، لكنها حكمت بقبضة حديدية.
  3. قمع المعارضين: بدأت حملات التطهير، والإعدامات الجماعية، والمجاعات المصطنعة (مثل مجاعة أوكرانيا الكبرى).
  4. نهاية النظام الإقطاعي-الملكي: تم إعدام القيصر وعائلته، في لحظة فارقة أنهت رمزية العهد القيصري بلا رجعة.


رابعًا: النتائج – كيف غيّرت الثورة وجه العالم؟

  1. بزوغ قطب جديد عالمي: أصبح الاتحاد السوفيتي لاعبًا مهيمنًا في السياسة الدولية، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية.
  2. نشأة الحرب الباردة: العالم انقسم إلى معسكرين أيديولوجيين: الرأسمالي بقيادة أمريكا، والشيوعي بقيادة موسكو.
  3. إلهام الثورات حول العالم: من الصين إلى كوبا إلى فيتنام، أصبحت الثورة البلشفية نموذجًا يُحتذى للمقهورين.
  4. تأثير ثقافي وفكري عالمي: اجتاحت الماركسية الجامعات والمثقفين، وتم إعادة تفسير التاريخ الإنساني من زاوية صراع الطبقات.


خامسًا: دلالة الحدث – ما المعنى العميق للثورة البلشفية؟

لقد كانت الثورة البلشفية أكثر من تغيير سياسي، بل محاولة لإعادة تعريف العدالة والملكية والسلطة.
هي اللحظة التي تحدّى فيها المحرومون، وإن بقيادة نخبة، منطق التاريخ الغربي القائم على التراكم الرأسمالي.

لكن الثورة، رغم شعاراتها، لم تنتج جنّة اشتراكية. بل تحوّلت إلى جهاز بيروقراطي صارم، حوّل الحلم الثوري إلى كابوس رقابي. وهنا يكمن تناقضها الأكبر: انتصارها العالمي كفكرة، وفشلها الداخلي كنظام.

وفي السياق العربي، ألهمت الثورة البلشفية كثيرًا من الحركات اليسارية، لكنها فشلت في التجذّر الشعبي نظرًا لاختلاف البنية الثقافية والعقدية. كما دخلت الشيوعية في مواجهة مفتوحة مع الإسلام كمرجعية، ما جعلها مشبوهة في وجدان الأمة، رغم عدالة بعض مطالبها الاجتماعية.

أحدث أقدم
🏠