فروق: لماذا قسمت جزيرة تيمور إلى جزئين مستقلين وما أسبابه

Friday, May 9, 2025

لماذا قسمت جزيرة تيمور إلى جزئين مستقلين وما أسبابه

في قلب أرخبيل جنوب شرق آسيا تقع جزيرة تيمور، التي تقسمها السياسة والتاريخ إلى شطرين: تيمور الشرقية وتيمور الغربية. رغم وحدة الجغرافيا، فإن لكل جزء منهما مسارًا مختلفًا، أحدهما ضمن دولة إندونيسيا، والآخر نال استقلاله بعد صراع طويل. تعكس هذه الجزيرة تعقيدات الإرث الاستعماري والتنوع العرقي والديني في المنطقة. لفهم واقعها الحالي، لا بد من العودة إلى جذور التاريخ الاستعماري والتفاعلات السياسية والديموغرافية التي شكلت هويتها. في هذا المقال، نستعرض بإيجاز تطور تيمور الشرقية وتيمور الغربية، والاختلافات بين شعبيهما، ومآلات ما بعد الاستقلال.


تقع جزيرة تيمور في أقصى جنوب الأرخبيل الإندونيسي، وتشكل جزءًا من سلسلة الجزر المعروفة بجزر سوندا الصغرى. ومع أن الجزيرة واحدة جغرافيًا، فإنها اليوم مقسّمة بين كيانين سياسيين مختلفين: تيمور الشرقية، الدولة المستقلة حديثًا، وتيمور الغربية، التي تُعد جزءًا من جمهورية إندونيسيا.

الاستعمار هو من رسم الحدود

يرجع سبب هذا الانقسام إلى الحقبة الاستعمارية، حينما تقاسمت البرتغال وهولندا السيطرة على جزيرة تيمور في القرن السابع عشر. سيطر البرتغاليون على الجزء الشرقي من الجزيرة (تيمور الشرقية)، بينما سيطر الهولنديون على الجزء الغربي منها (تيمور الغربية) وضمّوه إلى مستعمراتهم في جزر الهند الشرقية الهولندية، التي أصبحت لاحقًا إندونيسيا. ورغم أن السيطرة الاستعمارية انتهت في القرن العشرين، إلا أن الحدود التي رُسمت في ذلك الزمن لا تزال قائمة.
لماذا احتلت إندونيسيا تيمور الشرقية؟

بعد سقوط النظام الديكتاتوري في البرتغال عام 1974، انسحبت البرتغال من مستعمراتها، ومنها تيمور الشرقية. وفي خضم هذا الفراغ السياسي، أعلنت تيمور الشرقية استقلالها عام 1975. لكن إندونيسيا، بدعم ضمني من الغرب (وخاصة الولايات المتحدة وأستراليا في سياق الحرب الباردة)، غزت تيمور الشرقية وضمّتها باعتبارها "الولاية رقم 27" بحجة منع قيام دولة شيوعية على حدودها.
تحوّل الموقف الدولي ثم الاستقلال

استمر الاحتلال الإندونيسي لتيمور الشرقية لأكثر من عقدين، تخلله قمع دموي ومجازر أودت بحياة عشرات الآلاف. ومع نهاية الحرب الباردة وتزايد الضغوط الدولية، سمحت إندونيسيا بإجراء استفتاء عام 1999 بإشراف الأمم المتحدة، صوت فيه شعب تيمور الشرقية بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال. وفي عام 2002، أُعلنت جمهورية تيمور الشرقية الديمقراطية كدولة ذات سيادة.
ما بعد الاستقلال: تحديات لا تنتهي

رغم تحقق الاستقلال، واجهت تيمور الشرقية تحديات كبيرة: ضعف البنية التحتية، ندرة الموارد، الاعتماد على المساعدات الأجنبية، والانقسامات الداخلية. كما عانت البلاد من أعمال عنف وفوضى خلال سنواتها الأولى. ولا تزال في طور بناء مؤسساتها الاقتصادية والسياسية من الصفر.
من هم شعب تيمور؟ هل يشبهون الإندونيسيين؟

عرقيًا، يُعد سكان تيمور الشرقية (وحتى الغربية) مختلفين نسبيًا عن المجموعات العرقية الكبرى في إندونيسيا. فهم ينتمون في غالبيتهم إلى عرقية تُعرف بـ**"الميلاي"** (Melanesian)، وهي أقرب لسكان بابوا وغينيا الجديدة من الجاويين أو السونديين أو البوغيس. لذلك فإنهم لا يُعدّون من ضمن الأعراق "الإندونيسية" المشهورة رغم كونهم جزءًا سابقًا من أرخبيل جزر الهند الشرقية.
اللغات في تيمور الشرقية

اللغات الرسمية في تيمور الشرقية هما التيتومية (Tetum) والبرتغالية، بينما يتحدث كثير من الناس أيضًا الإندونيسية والإنجليزية كلغات ثانية. أما في تيمور الغربية، فاللغة الإندونيسية هي اللغة الرسمية، إلى جانب بعض اللغات المحلية.
التفاعل بين الجاويين والبوغيس في إندونيسيا

من بين أبرز المجموعات العرقية في إندونيسيا نجد الجاويين والبوغيس، وهم أمثلة على التنوع الغني في البلاد. الجاويون يتركزون في جزيرة جاوة، وهم الأكثر عددًا ونفوذًا سياسيًا وثقافيًا، بينما البوغيس يأتون من جنوب جزيرة سولاويزي، ويُعرفون بتاريخهم البحري والهجري.

رغم اختلاف لغاتهم (الجاوية والبوغيسية تنتميان لفرعين مختلفين من اللغات الأسترونيزية)، فقد ساهم الدين الإسلامي المشترك، إضافة إلى اللغة الإندونيسية الرسمية، في دمجهم داخل نسيج المجتمع الإندونيسي.
لماذا يوجد جزء من تيمور الشرقية داخل أراضي تيمور الغربية؟

عند النظر إلى الخريطة، نجد أن هناك جيبًا من أراضي تيمور الشرقية يقع داخل تيمور الغربية الإندونيسية، ويُعرف باسم أوكوسي (Oecusse). هذه المنطقة كانت جزءًا من مستعمرة البرتغال سابقًا، وقد بقيت كذلك حتى بعد التقسيم، رغم أنها مفصولة جغرافيًا عن بقية تيمور الشرقية. هذا يعود إلى اتفاقات استعمارية قديمة بين البرتغال وهولندا.

خاتمة

قصة تيمور الشرقية وتيمور الغربية تعكس كيف يمكن للتاريخ الاستعماري أن يترك ندوبًا طويلة الأمد، حتى بعد رحيل المستعمر. وبينما تسعى تيمور الشرقية اليوم إلى بناء مستقبلها كدولة شابة ومستقلة، تظل علاقاتها مع جارتها الإندونيسية، وخاصة تيمور الغربية، مرهونة بذاكرة التاريخ، وبتحديات الجغرافيا.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .